–احترام الملكية الفكرية وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية والالتزام بمعايير الشفافية مبادئ مهمة
– التنسيق مع الوزارات والجهات المعنية لمنع حائزي حقوق الملكية الفكرية من إساءة استخدامها
– دمج مفاهيم الابتكار والإبداع في العملية التعليمية في الجامعات والمؤسسات البحثية
– تعظيم دور مصر في منظومة الملكية الفكرية العالمية
استمرارا لدورها الريادى فى المجالات المختلفة ، جاءت الاستراتيجية الوطنية لحماية حقوق الملكية الفكرية التى أطلقتها مصر بتوجيهات رئاسية بمثابة البوصلة التى حددت وضع الجمهورية الجديدة ضمن المنظومة العالمية لحماية الملكية الفكرية ، فيما كانت البداية الحقيقية لإنشاء الجهاز المصرى للملكية الفكرية برئاسة د. هشام عزمى كأول رئيس للجهاز، والذى أوكلت له مهمة حماية الإبداع والإبتكار والتنسيق الكامل بين الوزارات والهيئات المختلفة تحت مظلة واحدة لتكرس ريادة مصر عربيا وأفريقيا فى مجال حماية الملكية الفكرية .. وإلى نص الحوار .

*حدثنا عن ظروف إنشاء الجهاز المصرى للملكية الفكرية.
– لقد جاء إنشاء الجهاز المصري للملكية الفكرية تجسيدا لاهتمام الدولة المصرية وقيادتها بمنظومة الملكية الفكرية وذلك إدراكا لدورها ولتقاطعها وتداخلها في عديد من القطاعات والمحاور مع رؤية مصر 2030. حيث تبرز الملكية الفكرية كأحد الممكنات الأساسية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. وكان لزاما أن يتم تطوير منظومة متكاملة وفعالة لحماية حقوق الملكية الفكرية.
ومن المهم ، بداية، أن نشير إلى أن مصر كانت سباقة في ملف الملكية الفكرية عربيا وإفريقيا ، فتاريخ الملكية الفكرية في مصر ممتد وطويل، ترجع بداياته إلى ثلاثينيات القرن الماضي. حين أصدرت مصر أول قانون للعلامات التجارية عام 1939 تلاه قانون براءات الاختراع عام 1949 ثم قانون حق المؤلف 1945 . ولقد كانت هذه القوانين منفصلة تعنى أساسا بانواع الملكية الفكرية التي تم إصدارها للتعامل معها، ودون وجود أي رابط بينها. وظل الوضع كما هو عليه حتى عام 2002 بصدور القانون 82 ( حماية حقوق الملكية الفكرية ) ، والذي جمع للمرة الأولى كل القوانين السابقة في كتب مستقله وألغي كل ماسبقه من قوانين.
غير أن هذا القانون لم يمثل استراتيجية بالمعنى المتعارف عليه ، تتضمن أهدافا استراتيجية وبرامج تنفيذية وإطار زمني محدد. ولقد صدر التوجيه الرئاسي بتشكيل لجنة تابعة لمجلس الوزراء لصياغة الاستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية عام 2020 ، حيث ضمت هذه اللجنة في عضويتها كافة الوزارات والجهات المعنية بإدارة ملف الملكية الفكرية ، تجسيدا لضرورة أن يكون لمصر استراتيجية وطنية للملكية الفكرية تتفق وريادتها في محيطها العربي والإفريقي.
والحقيقة، أن وضع استراتيجية وطنية للملكية الفكرية في مصر قد جاء متسقا وأهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الدولة المصرية كما انعكست في رؤية مصر 2030، خاصة فيما بتعلق بتفعيل مردود الملكية الفكرية لدعم الاقتصاد الوطني.
وجاء إنشاء الجهاز المصرى للملكية الفكرية في أغسطس الماضي كأول ثمرة من ثمرات تنفيذ الهدف الأول من الاستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية متمثلا في ( الحوكمة ). كما أن الجهاز أصبح مسؤولا عن تنفيذ الأهداف الأربعة للاستراتيجية.
وينبغي ونحن نتحدث عن ظروف إنشاء الجهاز المصرى للملكية الفكرية، أن نشير إلى ثلاثة عوامل أساسية كان لها دور مهم في صدور قرار إنشائه. أول هذه العومل أن إنشاء الجهاز قد جاء تنفيذا لاستحقاق دستوري. فربما لا يعلم كثيرون أن دستور 2014 قد نص صراحة على التزام الدولة بحماية الملكية الفكرية في كافة المجالات ، وإنشاء جهاز يختص برعاية تلك الحقوق. كما أن إنشاء الجهاز يأتي استجابة لحاجة مجتمعية مُلحة تستوجب حماية المبدعين والمبتكرين وكافة أصحاب الحقوق من الاعتداءات على حقوقهم. أما آخر هذه العومل فهو التزامات مصر الدولية.

* هل يمكن أن تحدثنا عن إلتزامات مصر تجاه المجتمع الدولى فيما يتعلق بحقوق الملكية الفكرية ؟
– نعم ، بكل تأكيد ، لدى مصر التزامات تجاه المجتمع الدولي من خلال انضمامها لمعاهدات واتفاقات دولية خاصة بحقوق الملكية الفكرية، وكذلك تمتعها بعلاقات تعاون وشراكة مع المنظمات الإقليمية والدولية وفي مقدمتها المنظمة العالمية للملكية الفكرية (وايبو) وكان آخرها مجموعة البريكس. وهي التزمات وشراكات مهمة سيكون للجهاز الجديد دور مهم في دعمها وتعزيزها.
* ما هى أهداف الاستراتيحية الوطنية للملكية الفكرية التي أطلقتها مصر عام 2022؟
– من المهم في البداية أن نشير إلى أن إعداد الاستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية في مصر قد اعتمد منهجا علميا ضمانا للخروج باستراتيجية تأخذ بعين الاعتبار ما يجري على الساحة الدولية من متغيرات تتعلق بالملكية الفكرية وفي الوقت ذاته، تراعي البعد الوطني وخصوصيته. فعلى سبيل المثال، تم الاطلاع على عدد من الاستراتيجيات الوطنية والدولية المتعلقة بالملكية الفكرية ، كما تم الرجوع إلى عدد من الدراسات التي أعدتها بعض المؤسسات والمنظمات الدولية. إضافة إلى ذلك، فلقد تم إعداد مجموعة من الدراسات خصيصا للاستراتجية. إضافة إلى ذلك، تم مراجعة الاتفاقيات والمعاهدات التي انضمت إليها مصر في مجال الملكية الفكرية.
كما أعتمدت الاستراتيجية على ثلاثة مبادئ رئيسية تتلخص في احترام الملكية الفكرية ، تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية والالتزام بمعايير الشفافية ودعم محاور التنافسية ومنع الممارسات الاحتكارية.
* وما أهداف الاستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية؟
– وضعت الاستراتيجة الوطنية للملكية الفكرية أربعة أهداف رئيسة. الهدف الأول هو “حوكمة البنية المؤسسية للملكية الفكرية”، ومن أهم الأهداف الفرعية التي يتضمنها هذا الهدف إنشاء الجهاز الوطني للملكية الفكرية ، ودعم التحول الرقمي ، تدريب وتطوير العنصر البشري، إضافة إلى تعظيم دور مصر في منظومة الملكية الفكرية العالمية.
ويتمحور الهدف الاستراتيجي الثاني في “تهيئة البيئة التشريعية للملكية الفكرية”، ويرتبط بهذا الهدف مراجعة القوانين والتشريعات الحالية للعمل على حل المشكلات الجوهرية المتعلقة بمنظومة الملكية الفكرية، وذلك على المدى القصير. كما يترتبط بالمراجعة الشاملة للتشريعات الحاصة بالملكية الفكرية على المدى المتوسط.
ويرتبط الهدف الثالث “بتفعيل المردود الاقتصادي للملكية الفكرية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة”، ويتضمن تعزيز وتشجيع ودعم الاستغلال التجاري لأصول الملكية الفكرية، وكذلك الاستفادة من الملكية الفكرية في البحث العلمي وربطه باحتياجات الصناعة الوطنية. كما يتضمن تطبيق سياسات رشيدة للملكية الفكرية في مجال الصحة العامة وإتاحة الدواء. إضافة إلى تعظيم المردود الاقتصادي لقطاعي السياحة والتراث باستخدام أدوات الملكية الفكرية.
أما الهدف الاستراتيجي الرابع والأخير فيتمثل في توعية فئات المجتمع المصري بكافة أنواعها بالملكية الفكرية. ويعد واحدا من أهم أهداف الاستراتيجية بل هو بمثابة العمود الفقري الذي تقوم عليه الاستراتيجية. ويشمل هذا الهدف مجموعة من البرامج مثل نشر وتعزيز الوعي العام بالملكية الفكرية ومحاور الاستراتيجية ، وكذلك دمج مفاهيم الابتكار والإبداع في العملية التعليمية بمرحلة ما قبل التعليم الجامعي. وأخيرا نشر مفاهيم الملكية الفكرية في الجامعات والمؤسسات البحثية.
* هل هناك متابعة من الجهاز لتحقيق تلك الأهداف؟
– بكل تأكيد ، إحدى المهام الرئيسة للجهاز المصري للملكية الفكرية هي متابعة تنفيذ هذه الأهداف الاستراتيجية الأربعة وفق الإطار الزمني المحدد وبما يحقق التطوير المأمول في منظومة الملكية الفكرية في مصر.
* ما أهم اهداف ومهام الجهاز المصري للملكية الفكرية؟
– في ضوء ما نص عليه قانون إنشاء الجهاز ، يتولى الجهاز تنظيم ورعاية وحماية حقوق الملكية الفكرية بشتى أنواعها في جميع المجالات، وذلك من خلال مجموعة محددة من الاختصاصات والمهام ومن أهمها إعداد وتحديث الإستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية، وكذا وضع الآليات التنفيذية اللازمة لتفعيلها بالتعاون مع الوزارات والجهات المعنية ومتابعة تنفيذها. ويدخل في هذه المهام أيضا تسجيل حقوق الملكية الفكرية وقيدها وإيداعها ومنحها وثائق الحماية على النحو المبين بقانون حماية حقوق الملكية الفكرية المشار إليها . كما سيعمل الجهاز على عداد قواعد بيانات ومعلومات متكاملة عن حقوق الملكية الفكرية وتوظيفها في تطوير منظومة الملكية الفكرية. ويأتي من ضمن اختصاصات الجهاز أيضا إنشاء آليات للتنسيق ومكاتب ونقاط دعم تابعة للجهاز لدى الوزارات والجهات المعنية؛ للتنسيق والتعاون وتقديم الدعم الفني.
ومن ضمن المهام المنوط بها الجهاز أيضا فحص الشكاوى التى تقدم إلى الجهاز، والمنازعات المتعلقة بالملكية الفكرية التي تحال إليه من المحاكم والجهات القضائية والشرطية وجهات إنفاذ القانون باعتباره جهة خبرة. يضاف إلى ذلك، التنسيق مع الوزارات والجهات المعنية لاتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع حائزي حقوق الملكية الفكرية من إساءة استخدامها.
* وماذا عن أولويات الجهاز المصرى للملكية الفكرية فى المرحلة المقبلة ؟
-ربما كان من أهم أولويات الجهاز خلال الفترة القادمة هو نشر ثقافة الملكية الفكرية والتوعية بأهميتها والمرونات المرتبطة بها لدى الجهات الحكومية والشركات والأفراد من خلال عقد المؤتمرات والندوات والدورات التدريبية وإصدار النشرات والمطبوعات المتخصصة في هذا المجال. ونشير في هذا السياق إلى أن التوعية تمثل الهدف الاستراتيجي الرابع من أهداف الاستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية. يأتي ذلك في إطار قيام الجهاز بمتابعة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للملكية الفكريه بأهدافها الأربعة : الحوكمة ، تهيئة البيئة التشريعية، تفعيل المردود الاقتصادي للملكية الفكرية وتوعية المجتمع المصري بفئاته المختلفة بالملكية الفكرية.
وفي هذا الإطار، سيتم التنسيق مع وزارة التربية والتعليم والجامعات ومراكز الشباب وقصور الثقافة في كافة أقاليم مصر لتنظيم محاضرات وندوات متعددة لطلاب المدارس والجامعات والشباب ومختلف فئات المجتمع لتعريفهم بالاستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية ودور الجهاز المصري.
كما أود أن أذكر أن هناك اهتمام كبير بملف الإدارة الجماعية لحقوق المبدعين والمؤلفين من خلال التنسيق مع الجمعيات المنوط بها حماية حق الأداء العلني مثل جمعية المؤلفين والملحنين، وكذلك دعم الجمعيات الناشئة في السياق ذاته مثل جمعية أبناء فناني مصر.
* ما الكفاءات والتخصصات التي يضمها الجهاز المصري للملكية الفكرية ؟
-أود أن أوضح أنه عند الحديث عن الكفاءات، فنحن نتحدث هنا عن ثلاثة مستويات ؛ المستوى الأول هو الإدارة العليا للجهاز ممثلة في مجلس الإدارة، أما المستوى الثاني فيضم العاملين الحاليين في المكاتب المختلفة للملكية الفكرية التي ستنضوي تحت مظلة الجهاز، ويشمل المستوى الثالث مجموعة العاملين الذين سيتم استقطابهم للعمل في الجهاز الجديد تعيينا أوإستعانة للعمل في الإدارات المختلفة التي يشملها الهيكل التنظيمي.
وفيما يتعلق بتشكيل مجلس الإدارة، فهناك خبرات متعددة ومتنوعة تمثل كافة الوزارات والهيئات ذات الصلة بعمل الجهاز مثل مجلس الدولة ووزارات الخارجية والداخلية والاستثمار والتجارة الخارجية والمالية والدفاع والتخطيط والتعاون الدولي والزراعة والصحة والسكان و أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا وجهاز تنمية التجارة الداخلية والمجلس الأعلى للثقافة والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام وهيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات وهيئة الدواء والإدارة العامة لمباحث المصنفات وحماية الملكية الفكرية. ويضمن هذا التنوع في الخبرات تمثيل كل أصحاب المصلحة وكافة الجهات التي سيتعاون معها الجهاز المصري للملكية الفكرية مستقبلا لتطوير منظومة الملكية الفكرية في مصر.
أما فيما يتعلق بالموظفين التابعين لمكاتب الملكية الفكرية، فلقد وضعنا ضوابط ومعايير دقيقة لانتقالهم للجهاز الجديد وبحيث تضمن انتقال أفضل العناصر من حيث الخبرة والكفاءة والتميز في الآداء وكذا التكيف مع بيئة العمل الجديدة، حيث ستعمل تلك المكاتب معا في إطار منظومة واحدة للمرة الأولى.
وبالنسبة لفئة العاملين الجدد، فسيتم وضع معايير تضمن استقطاب ذوي الكفاءة والخبرة والمهارة والذين يمثلون إضافة حقيقية ومتميزة للجهاز، حيث سيقع على عاتق هؤلاء مع زملائهم من العاملين الحاليين العبء الأكبر في دفع عجلة العمل في الجهاز خلال مرحلة التأسيس الأولى.
* كان هناك العديد من الهيئات والجهات التى تعتنى بحماية الملكية الفكرية. هل مع إنشاء الجهاز المصرى لحماية الملكية الفكرية أصبح هو المعنى بهذا الشأن وستعمل جميع تلك الجهات تحت مظلته؟
الحقيقة أن الوضع قبل إنشاء الجهاز كان متشابكا ومعقدا، فمكاتب الملكية الفكرية تتوزع على العديد من الوزارات، فلدينا مكتب براءات الاختراع يتبع أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا ( وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ) ، أما مكتب العلامات التجارية فيتبع جهاز تنمية التجارة الداخلية ( وزارة التموين والتجارة الداخلية ) ، مكتب حماية برامج الحاسب الآلي وقواعد البيانات التابع لهيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات ( وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ) وهناك مكتب حماية الأصناف النباتية ( وزارة الزراعة ) ومكتب حماية البث والمصنفات السمعية البصرية ( المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ) ، وأخيرا مكتب حق المؤلف ومكتب قيد التصرفات ( وزارة الثقافة ).
وبرغم قيام كل مكتب من هذه المكاتب بدوره في ضوء الإمكانات المتاحة، فإن المتابع لملف الملكية الفكرية في مصر خلال السنوات السابقة يستطيع أن يرصد غيابا للتنسيق في الجهود بين المكاتب المختلفة، وأيضا غياب التعاون لتحقيق رؤية موحدة على المستوى الوطني نحو حماية حقوق الملكية الفكرية. كما كان هناك قدرا من التداخل والتضارب في الاختصاصات بين بعض المكاتب، علاوة على صفر بنيتها المؤسسية وقلة مواردها. وربما تكون النقطة الأكثر أهمية هي عدم تحقيق المردود الاقتصادي للملكية الفكرية بشقيها الصناعي والأدبي النتيجة المرجوة في دعم الاقتصاد الوطني وهو مالا يتفق وإرث مصر الحضاري والثقافي والفني على وجه الخصوص. كما أن هناك بعد أخر يتعلق بتمثيل مصر أمام الهيئات والمنظمات الدولية وهو أحد أهم أدوار الجهاز بعد تأسيسه.
تبقى نقطة مهمة تتعلق بجهات أخرى حكومية وخاصة أو تابعة للمجتمع المدني ولديها أنشطة تتعلق بالملكية الفكرية سواء من خلال عقد ورش أودورات تدريبية وتظيم مؤتمرات وندوات، وهذه أيضا ينبغي أن يتم التنسيق فيها مستقبلا مع الجهاز المصري للملكية الفكرية باعتباره الجهة الرسمية والشرعية الوحيدة المسئولة عن إدارة منظومة الملكية الفكرية في مصر.
* كيف يمكن تهيئة البيئة التشريعية لحماية حقوق الملكية الفكرية؟
– كما ذكرت آنفا ، خصصت الاستراتيجة الوطنية للملكية الفكرية الهدف الثاني للتعامل مع البيئة التشريعية الحالية. ونود الإشارة هنا إلى أن تعديل القانون الخاص بالملكية الفكرية ثلاث مرات فقط أعوام 2015 و2019 و2020. ونحن نعلم جميعا أن مجال الملكية الفكرية سريع التطور نظرا لاتصاله الوثيق بمنظومة الإبداع والابتكار. ولقد أثبتت تجرية السنوات السابقة أن هناك إشكالات متعددة فيما يتعلق بتنفيذ القوانين. يضاف إلى ذلك التطورات الكبيرة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وانعكاساتها على مجال الملكية الفكرية.
وتأسيسا على ذلك، قامت اللجنة المكلفة بوضع الاستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية بالنظر إلى التشريعات الحالية وخلصت إلى ضرورة مراجعة التشريعات على مرحلتين: المرحلة الأولى وهي مرحلة آنية وتستهدف إجراء تعديلات تشريعية عاجلة في ظل وجود حاجة أو ضرورة مؤسسية أو مواكبة لتطورات تشريعية أخذت بها بعض الدول الأخرى وحققت من خلال تنفيذها نجاحات محوظة. ومن أمثلة هذه المراجعات ضرورة النص صراحة استخدام التقنيات الحديثة في منظومة تسجيل وإيداع حقوق الملكية الفكرية. ومنها أيضا رفع قيمة الرسوم المفروضة على خدمات الملكية الفكرية التي تقدمها بعض المكاتب والتي لم تتم مراجعتها منذ صدور القانون عام 2002.
المرحلة الثانية على المدى المتوسط ، ويتم فيها مراجعة شاملة لكافة القوانين واللوائح المتعلقة بالملكية الفكرية وترتبط أساسا بالتشريعات التي تتطلب دراسة متأنية من الناحيتين الدستورية والقانونية. كما تتضمن أيضا دراسة التجارب التشريعية الناجحة في الدول المتقدمة ، مع إعطاء أولوية لتشريعات تتعلق بمجال الإدارة الجماعية لحقوق المؤلف وتنظيم المسئولية المدنية والجنائية لمقدمي الخدمة في مجال البرمجيات، وتنظيم مهنة وكلاء براءات الاختراع والعلامات التجارية. بعبارة أخرى كافة التشريعات التي تضمن إحداث نقلة نوعية في منظومة الملكية الفكرية في مصر.
*كيف تؤثر حماية الملكية الفكرية على تعزيز الإبداع والابتكار وريادة الأعمال ، وهل سيكون للقطاع الخاص دور في هذا المجال؟
– من مهام الجهاز خلال الفترة القادمة التنسيق والتعاون مع كافة الجهات ذات الصلة بالبحث والابتكار خاصة الجامعات والمراكز البحثية من أجل تشجيع الباحثين والمخترعين والشركات الناشئة وأصحاب المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر بهدف حثهم على تسجيل مخرجاتهم البحثية واختراعاتهم وإبداعاتهم وغيرها من حقوق الملكية الفكرية والحصول على وثائق الحماية اللازمة لها؛ لتعظيم استغلالها والاستفادة منها من الناحية الاقتصادية. وأريد أن نؤكد هنا على أهمية جانب التوعيىة الذي سبق وأن أشرنا إليه خاصة بين أوساط شباب الباحثين. وفي هذا الإطار، سيتم التنسيق مع المجلس الأعلى للجامعات لإقامة ندوات وورش عمل للباحثين في كافة الجامعات على مستوى الجمهورية لتعريفهم بالاستراتيجية ودور الجهاز والإجراءات المتبعة لتسجيل الابتكارات وبراءات الاختراع تحت مظلة الجهاز الجديد.
ولقد تضمنت الاستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية عددا من المبادرات للتنسيق بين الجهات المختلقة لتحقيق التكامل بين المؤسسات البحثية والأكاديمية من ناحية وقطاع الصناعة بمختلف جوانبه من ناحية أخرى. ومن بين هذه المبادرات إعداد خريطة محددة لأوليات الدولة في مختلف مجالات الصناعة، إضافة إلى وضع حوافز والتسهيلات للقطاع الخاص لتوجيه جهود البحث والابتكار إلى هذه الخريطة.
ولابد هنا أن نشير إلى أننا سنبذل جهودا حثيثة لتحسين ترتيب مصر في مؤشر الابتكار العالمي والذي تضطلع به المنظمة العالمية للملكية الفكرية. ويعتمد هذا المؤشر بصفة أساسية على عاملين أسسايين الدراسات العلمية المنشورين للباحثين في الدولة وعدد براءات الاختراع الوطنية المسجلة.
كما سيكون من أولويات الجهاز وضع سياسات تقييم أصول الملكية الفكرية المملوكة للدولة واستغلالها بالاشتراك مع الجهات ذات الصلة، وتدريب وتوعية القطاع الخاص على استغلال أصول الملكية الفكرية وكيفية الاستفادة منها من الناحية الاقتصادية، والمساهمة في تدريب الخبراء والشركات العاملة في مجال تقييم الأصول بالتعاون مع الجهات المختصة.
* كيف ينظر الجهاز المصري للملكية الفكرية للتعاون العربي والإقليمي والدولي في مجال الملكية الفكرية؟
– يمثل التعاون والتنسيق مع الجهات والمنظمات الدولية والإقليمية المعنية بحماية حقوق الملكية الفكرية، أهمية كبيرة بالنسبة لعمل الجهاز المصري للملكية الفكرية وذلك في نطاق تحقيق أهداف الجهاز. ويشمل ذلك التنسيق والتعاون مع هذه الجهات ، كما يتضمن المشاركة في المؤتمرات المحلية والدولية وتنظيمها.
كما أن الجهاز سيقوم بتبادل المعلومات- المسموح بها قانونًا – مع الدول الأخرى والجهات والمنظمات الدولية والإقليمية بشأن حقوق الملكية الفكرية بما في ذلك الحماية من التجارة في السلع والخدمات المتعدية على هذه الحقوق.
ولقد شهدت الأشهر القليلة الماضية ، ومنذ تأسيس الجهاز، مشاركات عديدة في موتمرات إقليمية ودولية. فلقد شارك الجهاز المصري للملكية الفكرية في المؤتمر رفيع المستوى للملكية الفكرية في الصين. كما شارك الجهاز في اجتماع رؤساء مكاتب الملكية الفكرية في مجموعة البريكس في روسيا أكتوبر الماضي ، وذلك للمرة الأولى منذ انضمام مصر للمجموعة في بداية العام الحالي. حيث تقدم رئيس الجهاز خلال الاجتماع بمقترح إضافة ملف الملكية الأدبية إلى أعمال المجموعة، والتي اقتصرت على الملكية الصناعية خلال الفترة الماضية. وقد جاء هذا الاقتراح، الذي تمت الموافقة عليه بالاجماع، في ضوء اهمية ملف الملكية الادبية لمصر التي تمتلك ارثا حضاريا كبيرا ورصيدا متميزا في كافة مجالات الثقافة والفنون والآداب.
أما على المستوى العربي، فنحن على صلات جيدة الهيئات القائمة على أمر الملكية الفكرية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة حيث يتم تبادل المشورة والخبرات بين الجهاز وهذه الجهات. كما تجمعنا مظلة جامعة الدول العربية في اجتماعات تنسيقية دورية مع كافة الدول العربية.
ولقد شهدت الأسابيع الأخيرة مشاركة الجهاز المصري للملكية الفكرية في احتفالية اليوم العربي للملكية الفكرية الذي نظمه الاتحاد العربي لحماية حقوق المليكة الفكرية بمشاركة مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء. وكان موضوعها الرئيس كيفية إسهام الملكية الفكرية في تحقيق التنمية الاقتصادية بالدول العربية.
*ماذا عن العلاقة بين الجهاز والمنظمة العالمية للملكية الفكرية ؟
– أود في هذا الإطار أن أشيد بالعلاقات المتميزة التي تجمع الجهاز المصري للملكية الفكرية والمنظمة العالمية للملكية الفكرية ( وايبو ) والتي تقدم دعما لوجستيا مهما للجهاز خاصة في مرحلة التأسيس الأولى. ونحن نستشعر مدى أهتمام الوايبو بمنظومة الملكية الفكرية في مصر منذ تدشين الاستراتيجية الوطنية في 2022 والذي انعكس في حرص مدير المنظمة على حضور حقل إطلاق الاستراتيجية، كما عقد عدة اجتماعات مع عدد من الوزراء المعنيين بملف الفكرية في مصر. وتوجت زيارته إلى مصر بلقاء مع رئيس الجمهورية.
وخلال الشهر الماضي شارك الجهاز في حدثين مهمين من تنظيم المنظمة العالمية للملكية الفكرية، حيث شارك رئيس الجهاز في المؤتمر الدبلوماسي لتوقيع اتفاقية التصاميم بالرياض. كما نظم الجهاز ندوة إقليمية بالشراكة مع المنظمة وجامعة النيل وكان موضوعها الرئيس الجهات القائمة على إنفاذ الملكية الفكرية.
* وماذا عن مستقبل الملكية الفكرية فى ظل التقدم التكنولوجى الهائل الذى يشهده العالم ؟
– ربما يكون التحدي الأكبر الذي يواجه حقوق الملكية الفكرية في الوقت الراهن هو دخول الذكاء الصناعي بقوة وتقاطعه بقوه مع مجال الملكية الفكرية. حيث أضحت أنظمة الذكاء الاصطناعي متطورة بشكل متزايد ، فيمكنها إنشاء محتوى إبداعي ، مثل الموسيقى أو الشعر أو حتى رمز البرنامج. وهذا يثير أسئلة معقدة حول قانون حق المؤلف. من يملك حقوق الطبع والنشر للمحتوى الذي تم إنشاؤه الذكاء الاصطناعي وغيرها كثير.
كما يمكن الآن استخدام الذكاء الاصطناعي لابتكار منتجات وعمليات جديدة. على سبيل المثال ، يمكن لأدوات اكتشاف الأدوية التي تعمل بالطاقة الذكاء الاصطناعي تحديد الأدوية المرشحة المحتملة بشكل أكثر كفاءة من الطرق التقليدية.كما يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء أسماء العلامات التجارية والشعارات والأصول الأخرى القابلة للعلامات التجارية.
ونود هنا أن نشير إلى أن كل القوانين والتشريعات الدولية المنظمة لحقوق الملكية الفكرية حتى الآن لا تحمي ابداعا او اختراعا إلا إذا كان من صنع البشر.

*وكيف يواجه الجهاز تلك التحديات الراهنة؟
– في ظل هذا المشهد الديناميكي، يعتزم الجهاز المصري للملكية الفكرية أن يكون له دور في تشكيل مستقبل الذكاء الاصطناعي والملكية الفكرية. وذلك من خلال مجموعة من التدابير والإجراءات من بينها وضع سياسات واضحة وشاملة للملكية الفكرية تتصدى للتحديات الفريدة التي تطرحها الذكاء الاصطناعي، وتضمن اتباع نهج متوازن يشجع الابتكار مع حماية حقوق الملكية الفكرية.
كما سيعمل الجهاز على إذكاء وعي الشركات والباحثين والجمهور بأهمية حماية الملكية الفكرية في عصر الذكاء الاصطناعي، وتعزيز ثقافة الابتكار واحترام الملكية الفكرية.
كما سيتم التنسيق والتعاون مع المنظمات الدولية وغيرها من مكاتب الملكية الفكرية لوضع معايير عالمية وأفضل الممارسات في مجال الذكاء الاصطناعي والملكية الفكرية، وضمان اتباع نهج منسق عبر الحدود.
وسيعمل الجهاز أيضا على توفير آليات فعالة وكفؤة وفعالة لتسوية المنازعات لمعالجة منازعات الملكية الفكرية الناشئة عن الأنشطة المتعلقة الذكاء الاصطناعي في مصر.

