عاجل
الخميس. يونيو 26th, 2025

الفتنة الكبرى .. وقتل عثمان بن عفان

سعيد حنفيسعيد حنفي 25, يونيو 2025 18:06:03

شهد عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه (الذي استمر 12 عاماً) أحداثًا جسامًا عرفت بـ “الفتنة الكبرى”، والتي انتهت باستشهاده عام 35 هـ. كانت هذه الفتنة نقطة تحول مفصلية في تاريخ الإسلام، ومزقت وحدة المسلمين.

أسباب الفتنة:

تعددت الأسباب التي أدت إلى هذه الفتنة، ويمكن إجمالها فيما يلي:

  1. اتساع الدولة الإسلامية والتحول الاجتماعي: اتسعت رقعة الدولة الإسلامية بشكل كبير في عهد عثمان، لتشمل العديد من الأمصار والشعوب المختلفة. هذا التوسع أدى إلى دخول أجناس وعقليات جديدة إلى الإسلام، بعضها لم يتمكن الإيمان من التغلغل في قلوبها بشكل كامل، فظهرت نفوس لوامة تخلط العمل الصالح بالسيء. كما أدى اتساع الدولة إلى تزايد الثروات وكثرة الأموال، مما أثار شهوات بعض النفوس وتزاحمها على السلطة والغنى.

  2. اختلاف طبيعة عثمان عن عمر رضي الله عنهما: جاء عثمان بعد عمر بن الخطاب، الذي كان معروفًا بقوته وشدته في المحاسبة. بينما كان عثمان ألين طبعًا وأرق، مما استغله بعض أعداء الإسلام ومن في قلوبهم مرض.

  3. دور عبد الله بن سبأ: يُعتبر عبد الله بن سبأ (وهو يهودي تظاهر بالإسلام) من أبرز المحركين للفتنة. فقد نشر سمومه وأفكاره الهدامة في الأمصار الإسلامية (خاصة في مصر والكوفة والبصرة)، وكان يهدف إلى إثارة الفتنة والشقاق بين المسلمين، والتحريض على عثمان رضي الله عنه من خلال بث الشائعات والأكاذيب.

  4. شبهات حول سياسة عثمان المالية والإدارية:

    • تولية الأقارب: اتُهم عثمان بتولية أقربائه في المناصب الرفيعة. ورغم أن عثمان اشترط الكفاءة واللباقة فيمن يتولى الوظائف، ووجد في أقاربه من هو كفء، إلا أن هذا الأمر أثار حفيظة البعض.
    • السياسة المالية: أثيرت شبهات حول توزيع العطايا و”الإقطاعيات” (القطائع)، مما أثار اعتراضات من البعض.
    • تأخره في محاسبة بعض الولاة: اتُهم عثمان بالتأخر في محاسبة بعض عماله على ما ارتكبوه من تجاوزات.
  5. تذمر بعض الصحابة: كان هناك بعض التذمر من بعض الصحابة بسبب بعض اجتهادات عثمان، مثل إتمامه الصلاة في منى، وجمع القرآن على مصحف واحد. كما حدثت بعض الخلافات بين عثمان وبعض الصحابة الكرام مثل أبي ذر الغفاري وعبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر، وتناقل البعض هذه الأحداث بصورة مغلوطة أو مبالغ فيها، مما زاد من حدة التوتر.

أحداث الفتنة:

تطورت أحداث الفتنة على النحو التالي:

  1. التحريض والتأليب: بدأ عبد الله بن سبأ وأتباعه في التحريض على عثمان في الأمصار المختلفة، ونشروا الشائعات ضده، مدعين أنه غير سيرة الشيخين أبي بكر وعمر، وأنه غير أحكامًا شرعية، وأنه ظلم بعض الصحابة.

  2. تجمع الثوار في المدينة: تكاتب الثوار من مصر والكوفة والبصرة، وتوجهوا إلى المدينة المنورة في سنة 35 هـ، متظاهرين بأنهم يريدون الحج. وعند وصولهم، سيطروا على الأوضاع في المدينة، وحاصروا بيت عثمان رضي الله عنه.

  3. مطالب الثوار: طالب الثوار عثمان بعزل بعض ولاته، وبتصحيح ما اعتبروه “مظالم”. وقد حاول عثمان التفاهم معهم، وتوضيح الأمور، لكنهم أصروا على مطالبهم.

  4. حصار عثمان: استمر حصار بيت عثمان لفترة طويلة (ما بين 20 إلى 40 يومًا)، ومنع عنه الماء والطعام. حاول الصحابة الكرام الدفاع عنه، ولكن عثمان أمرهم بالامتناع عن القتال حقنًا للدماء، وأنه لا يريد أن يكون أول خليفة يقتل في الإسلام.

  5. استشهاد عثمان: في يوم الجمعة الموافق 12 من ذي الحجة سنة 35 هـ، اقتحم الثوار بيت عثمان، وقاموا بقتله وهو يقرأ القرآن. وقد استشهد عثمان وعمره اثنتان وثمانون سنة، ودفن في البقيع.

نتائج الفتنة:

كان للفتنة الكبرى نتائج وخيمة على الأمة الإسلامية، منها:

  • مقتل الخليفة الراشد عثمان بن عفان: كانت هذه هي النتيجة الأبرز والأشد إيلامًا.
  • تمزق وحدة المسلمين: أدت الفتنة إلى انقسام الأمة وتنازعها، وكانت بداية لسلسلة من الصراعات والحروب الأهلية (مثل موقعة الجمل وصفين).
  • ضياع الأمن والاستقرار: عمّت الفوضى والاضطراب في بعض أنحاء الدولة، وتوقف سير الفتوحات الإسلامية لفترة.
  • ظهور الفرق والطوائف: ساهمت الفتنة في ظهور بعض الفرق العقائدية والسياسية التي أثرت على تاريخ الإسلام.

لقد كانت فتنة عثمان حدثًا مؤلمًا في تاريخ الإسلام، وظلت آثاره تداعياتها تمتد لسنوات طويلة بعد استشهاده.

بداية الفتنة

لم يغير عثمان بن عفان الولاة الذين عينهم عمر بن الخطاب عند توليه الخلافة؛ وذلك لوصية عمر بأن يبقي على ولاته في مناصِبهم لمدة سنة بعد وفاته، خِشية من تغيير مُستعجل، يضطرب له أمر المسلمين.

وكان ولاة عمر على الأمصار:

  • على مكة .. نافع بن عبد الحارث الخزاعي
  • على الطائف .. سفيان بن عبد الله الثقفي
  • على صنعاء .. يعلى بن أمية
  • على الكوفة .. المغيرة بن شعبة
  • على البصرة .. أبو موسى الأشعري
  • على مصر .. عمرو بن العاص
  • على حمص .. عمير بن سعد
  • على دمشق .. معاوية بن أبي سفيان
  • على فلسطين .. عبد الرحمن بن علقمة
  • على البحرين .. عثمان بن أبي العاص الثقفي

وأغلب هؤلاء الولاة ليسوا من قريش، وليس فيهم أحد من عشيرة عمر. حيث كان عمر يختار ولاته على أساس الكفاءة، وكان يراقب عماله في أمور الدين والدنيا، ولا يتأخر في عزل من ثبت تقصيره.

 

وكثر المعارضون الناقمون على الخليفة فتكاتبوا من أمصارهم في القدوم إلى المدينة المنورة

  • فخرج الثوار من مصر ومعهم الصحابي « عبد الرحمن بن عديس»
  • ومن الكوفة ومعهم التابعي « زياد بن النضر الحارثي»
  • ومن البصرة ومعهم الصحابي « حرقوص بن زهير السعدي»

وما إن وصلت وفود المعارضين إلى ضواحي المدينة حتى حاصروا دار الخليفة حصاراً شديداً حتى بلغ الأمر ذروته فاقتحم الثائرون الدار، وتشابكوا مع أهله، ودخلوا على الخليفة عثمان بن عفان فقتلوه في18 من ذي الحجة سنة 35هـ .

 

مصر

كان عمر بن الخطاب قد مات وعلى مصر عمرو بن العاص والياً عليها. فما كاد بعض الوقت من ولاية عثمان ينقضي حتى جعلت قرابة عثمان تنظر إلى أحد أهم أمصار المسلمين نظرة لا تخلو عن الطمع والطموح إليها.

ولم يُقصِّر عمرو في غزوها لفتحها والعودة من غزواته محملاً بالغنيمة، متولياً مهمة فتح البلدان المجاورة طيلة سنين، إلا أن عثمان سرعان ما قرر كف عمرو بن العاص عن غزو إفريقية، وأرسل جيشاً لا يذعن لسلطان الوالي بمصر، وإنما يتصل بالمدينة مباشرة،

حيث أن قادة الأمصار هم من يتولون قيادة الغزوات والفتوحات عادة. وكان المكلف بقيادة هذا الجيش « عبد الله بن سعد بن أبي سرح» وهو أخو عثمان من الرضاعة. ووعده بأنه لو استطاع فتح إفريقية فله خمس الخمس (أي 4%) من الغنيمة.

ومن الطبيعي أن يغضب عمرو لهذا التهميش.

وقد نجح عبد الله بن أبي سرح في فتح الأراضي الواسعة من إفريقية والمجيء منها بعظيم الغنائم، وما إن انتهى من غزوه ولّاه عثمان خراج مصر (المسؤلية المالية للبلاد) تاركاً لعمرو بن العاص مسؤليتها العسكرية. وكان لابد من حدوث الاختلاف بين عمرو وعبد الله. فكتب كلاهما إلى عثمان يشكو الآخر، وما كان من عثمان إلى أن عزل عمرو بن العاص عن مصر، وسلمَ عبد الله بن أبي سرح إمارة مصر كلها عام 27 هـ.

لم يكن عبد الله بن سعد بن أبي سرح رجل صدق، ولم يكن المسلمون يرضون عنه، فهو كان من الذين اشتدوا على النبي وأسرفوا في السخر منه، وقد ارتد بعد إسلامه، وأعلن كشفه عن زيف نبوة محمد، وأحل الرسول دمه، وكاد يقتله عند فتح مكة، لولا شفاعة عثمان له وإعلان إسلامه. ولا يوجد شك في كون سيرة عبد الله في مصر قد أصابت أهلها بالسخط عليه. فكان يكلفهم فوق ما يطيقون ويتحملون ويتشدد فيهم، حتى شكوه إلى عثمان. فكتب عثمان له يأمره بالرفق في رعيته فلم يحفل بذلك، وإنما عاقب الذين شكوه وضرب منهم رجلاً حتى قتله، وبذلك غضب أهل مصر غضباً عظيماً وغضب معهم أعيان الإسلام في المدينة.

 

 

البصرة

كان أبو موسى الأشعري عامل عمر على البصرة. وأبقاه عثمان على حكمه أعواماً.

اهل البصرة فيها عصبية قبلية (الكثرة من أهل البصرة مُضَرّية، وفيهم ربيعيون، وفيهم قلة من اليمانية)  .. استطاع ابو موسى مقاوتها ايام عمر .. ولكن يبدو أن العصبية القبلية (والقرشية بالأخص) قد عادت في زمن عثمان ولم يتستطيع مقاومتها.

فسارع عثمان في عزل أبي موسى وتولية ابن خاله عبد الله بن عامر بن كريز عام 29 هـ، فدخل البصرة والياً عليها وهو ابن خمس وعشرين عاماً.

الشام

كان معاوية بن ابي سفيان أعظم الولاة حظاً من كل شيء في أيام عثمان. فكان عُمر قد ولى معاوية حكم دمشق، وولى أخاه يزيد بن أبي سفيان حُكْم الأردن، وعندما مات يزيد ضم عمر الأردن إلى سلطة معاوية، فاتسعت بذلك سلطاته. وبعد موت عمر، كان معاوية من المقربين لعثمان، حيث أن معاوية هو ابن عم عثمان، فلم يقم بتغييره. بل على العكس، حيث ضم إلى سلطته الكبيرة: فلسطين، بعد موت حاكمها عبد الرحمن بن علقمة، وقام بعزل عمير بن سعد الأنصاري حاكم حمص، وضمها إلى معاوية أيضاً. وبذلك اجتمعت عند معاوية الأجناد الأربعة وبسط قوته على بلاد الشام كلها، ليصبح ذا سلطة عالية لا ينافسه فيها أحد.



اخبار مرتبطة