سعيد الخولى يكتب : صورة على شط إسكندرية

العالم الآنالعالم الآن 10, يناير 2024 18:01:50

ذكريات لا تموت

كثيرا ماسمعتهم يقولون إسكندرية مارية وترابها زعفران،وتساءلت كلما سمعت ماذا تعنى مارية؟هل هو اسم قبطى أو مسيحى قديم مثلا مع وجوز كنيسة الاسكندرية ذات التاريخ الطويل فى مصر وفى المسيحية؟..البعض يقول هذا لكننى لم أجد مصدرا يؤكد أو ينفى، حتى وقعت على سبب هذا المسمى صدفة من خلال برنامج إذاعى وأنا أقود سيارتى على البرنامج الثقافى ،وذكر البرنامج الذى لم أعرف اسمه للأسف أن وصف اسكندرية بأنها مارية جاء من أهل مقاطعة “ألميرية” الإسبانية الذين وفدوا إلى مصر واستقروا بالإسكندرية إثر طردهم مع سقوط الأندلس وما جرى للمسلمين هناك من مذابح ومطاردات،ولما وصل بعض أهل ألميرية إلى الإسكندرية وجدوها تشبه بلدتهم الجميلة بمياهها الزرقاء الصافية ورمالها الذهبية ونخيلها وعموم طقسها ،فهتف بعضهم :”ألميرية” وكأنهم لم يشعروا بغربة فى البلدة الجميلة التى ساقتهم الأقدار إليها فعاشوا بها.والكلمة نفسها منقولة من كلمة المرآة العرببة للاسبانية وتعنى صفاء ماء البحر حتى يبدو كالمرآة لمن ينظر فيه فيرى نفسه.
وبالمناسبة أيضا كان العارف بالله أبو العباس المرسى من القادمين من الأندلس من مقاطعة مرسية ،وتقول المصادر التاريخية إنه كان أول من يحمل اسم “المرسى” فى مصر الذى جاء به من بلده وشاع بعده الاسم محذوف الألف واللام “مرسى”تيمنا به وتفاؤلا بمنزلته. وقد جاء إلى مصر بعد رؤيا رآها القطب الصوفى أبوالحسن الشاذلى وهو فى تونس في عام 642 هجرية، 1244م، حيث رأى في منامه أن النبي صلى الله عليه وسلم يأمره بالانتقال إلى الديار المصرية فخرج من تونس ومعه أبو العباس المرسي وأخوه عبد الله وخادمه أبو العزايم ماضي قاصدين الإسكندرية على عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب.ومن بعدها شاع اسم “مرسى” فى مصر.
هذا عن إسكندرية أما عن الصورة العائلية فهى من بواكير الصبا فى العام 1968،ويلتئم فيها شمل الأعمام صلاح ونجيب متعهما الله بالصحة والعمة علية وزوجة العم سعيدة رحمهما الله رحمة واسعة،وأبناء العمومة حلمى ورأفت الواقفين فى الخلف يتوسطهما العم نجيب،وبنات العم سهير الكبرى ويسرية الوسطى وعفاف الصغرى تحملها الأم سعيدة رحمها الله،وأقصى يمين الصورة كاتب السطور واقصى يسارها ابن العم مصطفى.كل هذا الجمع فى هذه اللقطة كان يعبر عن دار العائلة بتكوينها وذوبان الأفراد فى المجموع، توفى من توفى من الكبار وصار الأبناء الموجودون بالصورة كلهم أجدادا.
أما المناسبة فقد كان العم صلاح أطال الله عمره مجندا يعمل بوزارة الداخلية وخدمته وقتها بالإسكندرية التى كان يستأجر بها غرفة فى شارع الواثق بمنطقة الحضرة بجوار مستشفى المواساة،حجرة ضمن شقة مشتركة بالدور الأرضى تتحقق فيها الوحدة الوطنية بجيرة الست أم لمعى المسيحية فى غرفة أخرى بنفس الشقة.كل أفراد الصورة اجتمعوا معا ذلك العام لنقضى فترة من الصيف هناك كشريحة من العائلة التى تقطن دار العائلة بالقرية،وبالطبع فالحجرة الواحدة كانت غير كافية لهذا العدد ،غير أنها مع روح الوئام لم تكن تضيق بنا ،وكنا بداخلها نحيا حياة أسرة من أب وأم وأبناء لأننا نحيا نفس الحياة فى دار العائلة بالقرية،فكل الأعمام آباء لكل الأبناء وأبناء الإخوة لافرق بين الأب والعم ولا بين الابن وابن الأخ..كان العم صلاح ينزل إلى القرية يوم الخميس ليعود الجمعة محملا بخيرات البلد إلينا من خبز طازج إلى فطائر شهية وأبرمة أرز معمر عامرة بما فيها من لحم أو طيور،كل ذلك فى قفة كبيرة يحملها على كتفه وتنوء بالشاب فى حملها،يتنقل بها من سيارة إلى قطار الاسكندرية إلى قطار أبى قير لينزل فى محطة الحضرة ونحن فى انتظاره على أحر من الجمر..وتقودنى وأبناء العمومة خطوات الفسحة مساء إلى منطقة الحضرة وسوقها للجملة وخيرات الله من خضر وفواكه تتألق بينها المانجو التى لم نعرفها إلا من خلال ذلك السوق،والبطيخ الذى كنا نزرعه ونستمتع بأكل “النمس”الكبير الذى قد يصل وزنه أحيانا إلى خمسة عشر كيلوجراما ويكفى الأسرة كلها لتأكل منه.
أما بحر إسكندرية فقد كانت تلك السفرية عربون تعارفى معه وعشقى للإسكندرية وناسها وأهلها مصريين وغير مصريين الذين كانوا يتسمون بالأناقة إثر اختلاطهم باليونانيين والطليان ممن اختاروا الاستقرار بها وأن يكونوا من أهلها يحملون الجنسية المصرية والهوية السكندرية لعروس البحور،تميزهم الأناقة فى الملبس وفى التعامل،ينافسون فى أناقتهم زى البحرية الأبيض الناصع الذى كان أفراده يتباهون به وهم فى طريقهم لبيوتهم لقضاء إجازة أو فى مراكبهم الضخمة يخطفون النظر من الناشئة مثلى ومن المارة والمتنزهين على الكورنيش ليلا ونهارا..الأناقة والبحر كانا العنوان الرئيسى لعلاقتى بالإسكندرية والحب الذى دام عبر خمسة وخمسين عاما لم أجد فى غيرها شوقا إلى الصيف وفترات الشتاء الممطرة التى تغسلها وتجعل بيوتها ومبانيها فى أزهى ظهور لها.
تجمع الأسرة هكذا فى حجرة واحدة بمأكل مشترك ومشرب موحد وإقامة تقوم على الاحتواء لايحوز أحدنا فيه إلا ما يستقر فوقه الجسد فوق سرير أو كنبة أو على حصيرة الأرض،هو ذلك الوضع الذى زرع بداخلنا معنى المشاركة المحبوبة فى أبسط مايتاح لنا راضين مسرورين لايعرف أحدنا فارقا بين أخيه وابن عمه أو بين والده وعمه،أو بين والدته وزوجة عمه ناهيك عن عمته أو خالته.هذا ماعشناه دون مبالغة أو تصوير لخيال ،وهو ما يبكيه من عاشوا هذا الواقع ويبحثون عنه الآن فلا يجدوه فيمن تلاهم من أجيال وأوضاع اجتماعية اتسع فيها الرزق والرفاهية والمتع الحسية والمعنوية، وضاق فيها الناس ببعضهم البعض.


#أجمل عبارات عن الذكريات #حكايات زمان #دفتر ذكريات زمان #ذكريات جميلة #ذكريات لا تموت #ذكريات لا تنسى #عبارات جميلة عن ذكريات الماضي

اخبار مرتبطة