نستكمل اليوم قصة (سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم)… من الجزء الثالث حتى الخامس من سيرة خاتم الأنبياء..
احتضنه جده ( عبد المطلب) في حب وأعزاز منير….وحين بلغ (محمد) الثامنه من عمره مات حصنه الكبير. ) .
مات جده ( عبدالمطلب) … وسار الصبي كالكبار وراء النعش يعتصره ألم مرير.
حكمه الله تعالي في حرمان أخر انبيائه من عطف الأب… وحنان الأم ورعايه الجد.
أكان الله تعالي يريد أن يمنح اخر انبيائه… حنانا وحبا من لدنه وحده ؟
أكان الله يربيه بالحزن ويرهف مشاعره بالألم؟…..أكان الله تعالي يصنع قلب رسوله لنفسه ؟
هي حكمه بالغه سقاه الله تعالي في طفولته …من انهار الحزن العميق .
ليمنح الناس بعدها ثمار الخلاص والفرحه ..وهو لهم رفيق.
قديما قال الحق(لموسي):
( واصطنعتك لنفسي ).
وبشر (تعالي) موسي في التوراه وعيسي في الإنجيل…بنبي يأتي من بعده اسمه ( احمد).
وحين سأل(موسي) ربه ان يمن عليه وعلي أمته بالفضل….
حدثه الله بأنه كتب ذلك لأخر انبيائه (أحمد ) وأمته.
يقول تعالي محدثا اخر رسله:
( ألم يجدك يتيما فاوي ووجدك ضالا فهدي ووجدك عائلا فاغني فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر وأما بنعمه ربك فحدث)
مات جدك( يامحمد) …كفلك عمك ( ابو طالب ).
القي الله محبتك في قلبه…فقدمك علي ابنائه واعزك واكرمك.
كان يجلسك علي فراشه الذي يبسطه….أمام الكعبه.
عاش ( محمد) في قلب صحراء مكه مستيقظ القلب …صاحي الوجدان بين قوم من الغافلين والسكاري وعبده الاصنام.
عاش بين تجار الخمور والشعراء …في جو يزيدالخمول
والجفاء.
كنت يا(محمد) رحيما بالحيوانات تطعم القطط والكلاب والفقراء.
كنت يا(محمد)في طفولتك صامتا لاتتحدث كثيرا…لا تشارك الفتيان لهوهم.
تنفرد بنفسك …يتوقف لسانك ويعمل عقلك.
كنت مستيقظ القلب تتأمل في طفولتك سجود قومك للأوثان
ورثت عن جدك ابراهيم كراهيته لعالم الاصنام…وانطوي داخلك علي احتقارها في صمت دون كلام.
بقيت بمبعد عن شرور قومك….وزادت دهشتك للجاهليه والاثام.
نذكر حين سافر (محمد) مع قافله عمه أبو طالب الي الشام…
شاهد الناس يتخبطون فزاد حزنه ورق قلبه وكان عمره ثلاثه عشر عام.
وقع للصبي حادث أغلب الظن انه زاد عنده الحيره….هي بالفعل أسرار مثيره.
كان هناك راهبا يدعي ( بحيرا)….يقف في نافذه الدير يتعبد.
أستلفت نظره سحابه بيضاء من الغيم .. تشبه طائرا ابيض اللون
تحلق فوق قافله صغيره.
وحين أستقرت القافله تستريح في ظل الدير…تبخرت السحابه تطير.
دق قلب الراهب بعنف كبير….
فهو يعلم من أوراق المسيحيه.
أن نبيا سيخرج الي الدنيا بعد عيسي تبشر به.
ترك ( بحيرا) مكانه وأسرع يأمر بإعداد طعاما كثيرا للقافله. ….علي غير عادته وأرسل اليهم رسولا يدعوهم
للطعام.
حين ورد ضيوفه…راح يتأمل فيهم باحثا عن علامات النبي المنتظر.
وحين لم يعثر علي شئ…سألهم يامعشر قريش.
هل تخلف منكم احد عن دعوتي؟
علم من عمه بأن( محمد) تخلف عن الحضور لصغر سنه…..تركه لكونه صبيا صغيرا.
كان حوارا ساخنا بين الراهب (بحيرا) وبين ( محمد)…..
تأكد منه انه النبي المنتظر.
ولم يفصح الراهب عن ذلك لأحد…. حتي (محمد) عاد والأمر مجهول لديه.
عاد الراهب يسأل( ابي طالب )..
ما هذا الغلام منك؟
قال: انه أبني…
قال: بحيرا ماينبغي ان يكون أبوه حيا….
قال أبو طالب: انه ابن أخي…مات أبوه وامه حبلي به.
قال بحيرا: صدقت ارجع به واحذر عليه اليهود.
تسأل أبو طالب عن سر مايقوله الراهب…قال أنه سيكون له شأن
طوي الحادث وأن زاد (محمد ) حيره …تطوف بذهنه أسئله كثيره
عادت القافله الي مكه وعاد (محمدا) ينفرد بنفسه متأملا…
أحوال الكون يأمل ان يجد حلا عاجلا.
كنت ( يامحمد) تفيض بين الناس بالثقه والرحمه والحب والأمانه….عرفوك اهل مكه حتي بعد أن بشرت بالرساله.
كان لك ( يامحمد) كهفا صغيرا هادئ في جبل عظيم…تجلس فيه تتأمل قدره خالقه الكريم.
في عامك الخامس والعشرين تعرفت بأم المؤمنين( خديجه)..
وهي تبلغ الأربعين سيده ذات شرف ومال.
تعمل في التجاره ومات عنها زوجها…ويطمع في ثرائها الرجال.
أرسلت اليك لصدقك وأمانتك…
تستأجرك في تجاره للشام.
فعدت لها بربح مضاعف …بعد عودتك بأمان وسلام.
امتلأ قلبها بحبك ونبل أخلاقك…
فعرضت عليك الزواج فقبلت.
اتاح لك الزواج فرصه اكبر للتأمل والتعبد والأنفراد….حتي وجدت ضالتك في ( غار حراء).
تسير أليه اميالا قليله ثم تبدأ في الصعود….ومع العزله والسهر تولد الأفكار وسرعان ماتعود.
وبينما كنت تجلس في (غار حراء)…كان جبريل يقف علي الباب.
ضمك الي صدره بشده يأمر قائلا
( أقرأ) …قلت يا( محمد) ماانا بقارئ.
عاد الملك يضمك لصدره بشده…
يأمر ( أقرأ) وتجيب مرتجفا ماذا أقرأ.
ثم تلا عليك( جبريل)….
( أقرأ بأسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق أقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان مالم يعلم ).
هرع ( محمد) فزعا الي زوجته…
شاحب الوجه يرتعش جسده.
يقول زملوني….زملوني
وتسرع خديجه تغطيه وتمسح العرق عن جبينه.
حدثها ( محمد) مارأي وسمع….
فأدركت ( خديجه) انه أمر عظيم لا يهينه.
قالت: أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا…. انك لتصل الرحم وتصدق القول وتقري الضيف وتعينه.
انطلقت به خديجه الي ( ورقه بن نوفل ) ….أبن عمها.
وكان قد تنصر في الجاهليه…
يعرف أوراق الإنجيل والتوراه.
قص عليه ( محمد) ماحدث…..
فادرك( ورقه بن نوفل) انه أمام النبي المبشر به.
عاد يقول بعد لحظه صمت….
ياليتني اكون حيا إذ يخرجك قومك.
تسائل الرسول ( محمد )…..
أو مخرجي هم ؟.
قال: نعم…. وان يدركني يومك انصرك نصرا مؤزرا.
قد نفذت مشيئه ( الله تعالي)…
واختير اخر أنبياء الله وأول المسلمين.
جاء (محمد) أخر أنبياء الله في الأرض….ونعلم ان كل أنبياء الله مسلمين.
لكن قد نتسائل فكيف يسبقونه الأنبياء بالأسلام…. ويكون (محمد) هو أول المسلمين.
فلا تعني سبق كثير من الانبياء المسلمين للرسول…وكونه اول المسلمين.
ولا تعني كلمه (( الاول) هنا بعدا زمنيا…ولا تعبر عن أولوية الظهور.
إنما تعني ( اكمل) المسلمين …
وأولهم كمالا ورفعه وفضلا ورحمه.
فرساله( مخمد) رساله عالميه وأنسانيه خالده….ليست مقصوره علي العرب دون العجم.
ليست مقصوره علي قبيله او شعب او بيئه او زمان….
هي رساله لكل زمان لعقل الإنسان حيثما كان وأينما كان.
يقول تعالي:
( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي
ومماتي لله رب العالمين لاشريك له وبذلك أمرت وانا اول المسلمين.).
حين نزل الوحي (جبريل ) عليه السلام علي الرسول ….كانت بدايه اول مرحله من الدعوه الاسلاميه.
بدأت المرحله (سرا)…أستمرت ثلاث ( سنين) في الخفاء.
بدايه آمنت به زوجته ام المؤمنين ( خديجه)….أمن به صديقه( أبو بكرالصديق) وأبن عمه( علي بن ابي طالب).
أمن به( زيد بن ثابت)مولاه….و( عثمان بن عفان) و( طلحه بن عبيد الله) و(سعد بن أبي وقاص).
أمن المسيحي( ورقه بن نوفل) …وقد راه رسول الله بعد موته في هيئه كريمه تشهد بدرجته عند الله.
اسلم ( ابو ذر الغفاري) و( الزبير بن العوام)….و( عمر بن عنبسه)
و( سعيد بن العاص).
راح الأسلام ينتشر ( سرا) في مكه…. وترامت الأخبار الي رؤساءقريش فلم يعبئوا بها.
هكذا نجحت ) السريه) في حمايه الإسلام….والأمان ينضج قلوب المسلمين.
جاء ( محمد) ليعلن ان الله…..هو المعبود بحق وأننا جميعا عبيده.
جاء ليعلن ان ( الموت) انتقال من دار الي دار…. وأن خشيه الموت لا تنجي منه.
وأن الحرص علي الحياه….لا يطيل الاجل فلكل اجل كتاب
أعلن الرسول ان( الرزق) في الدنيا مضمون….كما في قوله تعالي: ( وما من دابه في الأرض الا وعلي الله رزقها ).
وأوحي ) جبريل) الي الرسول..
ان نفسا لن تستوفي أجلها حتي تستكمل رزقها.
وهنا ينتفي الخوف من الجوع…
وينمحي القلق من الأيام كلها.

