كانت كلمات الصديق الراحل محمد صلاح الدين رحمه الله المحرك الأول للإسراع بالتقدم رسميا لخطبة من اختارها لارتباطى بها،وبعد زيارتين متبادلتين بين الأهل هنا وهناك كانت كلمة القدر تحفر مجرى حياتى العائلية القادمة بكل سلاسة وهدوء.وامتدت اواصر العلاقة سريعا بين العائلتين بشكل لم أكن أتوقع سرعته ولايسره.وحمدت الله على ذلك وتم الاتفاق على الشبكة وعقد القران قبيل بداية دراسة العام الثانى لخطيبتى بالكلية حيث كانت فى عامها الدراسى الأول.
وكان علىّ أن أعد العدة لتكاليف المرحلة القادمة وبالتالى فالعمل ثم العمل لتوفير ثمن الشبكة والقران ولو بأكبر قدر ممكن ،وانغمست فى العمل بالساعة فى مكتب برنار لتحقيق أكبر دخل إضافى مع مكافأة الأخبار وقللت من التواصل مع زملاء الكلية ومجلتها المطبوعة فقد دقت ساعة العمل الثورى على رأى أغنية عبد الوهاب الشهيرة ، مع الفارق بين عملى الثورى وعمل اغنية عبد الوهاب؛فلكل ثورته ودوافعه وأسلحته وأدواته.وفى تلك الأثناء كان عملى بمجلة “الأمن العام”يتطور بشكل جيد وطلب منى مديرها العام الاستفادة من وجودى بالأخبار والاستعانة بالأرشيف لعمل موضوع ينشر باسمى بالمجلة واخترت له اسم “من أرشيف الجريمة” حيث كنت أتتبع جريمة من الجرائم التى نشرت بالصحافة المصرية فى الأربعينيات أو الخمسينيات او الستينيات وأجمع مانشر حولها حتى نهايتها وأكتب الموضوع فى تلخيص يشمل الحكاية كلها.كنت أقاضى خمسة وعشرين جنيها عن التصحيح ومثلها عن الموضوع الذى أقوم بكتابته،ووجدت فى ذلك متنفسا جديدا للتعبير عن نفسى أشعر معه باستمتاع،وزاد تطوير التعاون بتصحيح مجلة كان يصدرها مركز بحوث الشرطة وكان مقره بالعباسية وكانت مجلة فصلية تصدر كل ثلاثة أشهر.وأحسست أن الله يهيئ لى من أبواب الرزق مايساعدنى فى مشوارى القادم وأنا أبتغى بناء حياتى المستقلة.
أما مكتب برنار فقد كانت خطواتى تزداد فيه ثباتا وأنا أتخصص فى تصحيح مجلة “ألحان” بل بدأت أساهم فى عمليتها التحريرية بتحرير باب أقلام القراء من هواة الأدب شعرا وقصة فأنشر ما يصلح وأقوم بالرد على مالايصلح وتوجيه صاحبه لكيفية تنمية موهبته إن كان ثم موهبة تستحق التوجيه،وإلى جانب ذلك كلفنى رئيس التحرير وقد لمس شغفى بالعمل أن أحرر بابا اسمه “قلوب شابة”كان يهتم بمشاكل الشباب العاطفية،وكثيرا ماكنت أقوم بتخيل مشكلة ما تصلح للنشر فأعرضها وارد عليها بسبب عدم توافر خطابات كافية او تصلح مشكلاتها للعرض والرد،وبالطبع كان باب الراحل الكبير عبد الوهاب مطاوع يوم الجمعة بجريدة الأهرام زادا كبيرا للاطلاع عليه واستلهام بعض أفكاره وأسلوب العرض والرد المقنع.
ورغم أننى لم أكن أستطيب الانغماس فى الصحافة الفنية فقد كان هذا النشاط بالنسبة لى يمثل نوعا من التعويض عن محاولة الانتقال من قسم التصحيح بالأخبار إلى أى قسم تحريرى آخر بالجريدة ، فقد وجدت نفسى فى التعامل مع جماليات الكلمة المكتوبة بعيدا عن الصحافة الميدانية التى اكتشفت سريعا أننا لانليق لبعضنا فهى تتطلب ما لم أكن أجده فى نفسى وأنا أنشد ماليس فى القبول بالعمل سواح ؛فضلا عن حكايات صكت مسامعى عمن يملكون مفاتيح تلك الأبواب وبعضهم يتصور أنه يحمل صك اقتحام عالم الشهرة والنجاح وعلى الراغب أن يتحمل!
وما كادت بواكير عام 1986 تقضى شهرين وبعض شهر حتى كان قرار التعيين الجماعى يشملنى ضمن سبعة من الزملاء ،لكننى فوجئت أن اسمى على قوة مجلة آخر ساعة على سبيل الاحتياطى لزميل له مشكلة بالتعيين هناك لو تم حلها أكون أنا خارج التعيينات ،وهكذا سقط فى يدى وانا أهتز بحلمى كما لعبة اليويو من أسفل إلى أعلى تمسكنى يد تلهو من كبار القسم لمح اننى جئت من خلال مسئول كبير بالجريدة ،وفهم أننى بعد تعيينى مباشرة سيتم انتقالى لقسم تحريرى آخر فأسبب مشكلة لقسم التصحيح،ومن هنا كان اقتراحه بترحيلى للتعيين على قوة قسم تصحيح آخر ساعة.
وكادت العاصفة تعصف بى وبأحلامى إلى خارج أخبار اليوم كلها لولا لجوئى إلى ذلك المسئول الكبير وعرض مشكلتى عليه فتدخل بقوة لإحساسه بمحاولة إبعادى بالفعل.وكنا يوم الخميس الأخير من فبراير ذلك العام، فهدأ من روعى وطلب من سكرتيرته أن تجرى اتصالا لتحرى الأمر ثم طلب منى أن أعود للمنزل وأبقى به يومين لأعود يوم الاثنين التالى ،ووعدتنى السكرتيرة المحترمة خيرا لأن الزميل صاحب المشكلة فى التعيين موقفه ضعيف لوجود والده وشقيقته بالجريدة وبالتالى لن يتم تعيينه.
رغم ذلك لم أطمئن وذهبت السبت التالى إلى مجمع التحرير وقلت أمسك بشيئ مضمون فى يدى خير من الخروج صفر اليدين،وأعدت إجراءات تسلمى العمل بالتربية والتعليم بعد ان كنت أهملت الخطاب الذى وصلنى بإعادة تعيينى مرة ثانية!وأخذت الخطاب لأتوجه به فى اليوم الثانى لمديرية التربية والتعليم بمحافظة القاهرة ،لكننى لم أجد الموظف المختص وكان فى إجازة فذهبت للأخبار أتقصى ماتم بخصوصى لأفاجأ بهم يخبروننى أن سكرتيرة المسئول الكبير سألت عنى فأسرعت إليها صاعدا على قدمىّ عدة أدوار لم تكن تمثل عبئا فى صعودها،وبادرتنى بما كنت أنتظره وأرسلتنى لأخذ أوراقى وعمل مسوغات التعيين بتصحيح آخر ساعة ويبدأ عهد جديد مختلف مع الأستاذ محمد الهتيرى.
سعيد الخولى يكتب : ورقة من نعكشات قديمة
