عاجل
الثلاثاء. يوليو 29th, 2025

الإيجـار القديم.. قضية معقدة تزداد جدلاً وتعقيدًا.

حسام عمارحسام عمار 28, مايو 2025 18:05:40

للبروفيسور/ حسين المقداد أستاذ ورئيس قسم القانون الدستوري بجامعة حلوان

 

 

ما من قضية اكتنفها الجدل- وجدلها قديم متجدد، كما قضية العلاقات الإيجارية الاستثنائية المعروفة إعلاميًا بـ”عقود الإيجار القديم”، تلك القضية التي تجاوزت دائرة البحث في أحكامها المدنية التي طالما تناولها أساتذتنا الكبار من شراح القانون المدني في مختلف كليات الحقوق والقانون- وقد أفاضوا فيها بما يناسبها منذ عدة عقود، إلى دائرة القضايا الدستورية التي تثير أبعادًا عديدة متداخلة ومتعارضة، قد تعيي العديد من متناوليها عن إبداء رأي توفيقي فيها.

فثمة أبعاد متداخلة تتنازع هذه القضية الشائكة؛ أولها: البعد الاجتماعي؛ وثانيها: البعد السياسي، وثالثها: البعد الاقتصادي، ورابعها: البعد الثقافي. فمن الناحية الاجتماعية، تثير قضية الإيجار القديم إشكالية احتياج الكثير من المستأجرين للبقاء في العقارات المستأجرة للسكن حتى يتمكنوا من توفيق أوضاعهم- هذه الأخيرة التي لا يوجد لها معيار زمني موضوعي يمكن الاستناد إليه في تحديد أجل بقائهم، وقد ظلوا هكذا وبنوهم منذ عدة عقود ولم يبلغوا بعد توفيق أوضاعهم، ولا أراهم بالغيها ما داموا متواكلين على سكن دائم بـ”ملاليم” الإيجار القديم!!

وفي المقابل، يجد كثير من الملاك أو خلفهم العام أنفسهم في مهب رياح الحاجة والفقر، بينما يمتلكون أملاكًا معطلة ملكيتها بفعل عقود أبرمت في ظل ظروف استثنائية عايشتها الدولة المصرية في حقبة زمنية دقيقة للغاية، وحل أسلافهم محل الدولة في كفالة هذه الفئات المحتاجة- وقتئذ، ما يُشعرهم بأنهم كفلاء لغيرهم على غير رضىً منهم، بل في الوقت الذي يحتاج فيه كثير من منهم إلى من يكفله- إن صح التعبير.

ومن الناحية السياسية، تثار إشكالية الحرج الذي تواجهه الحكومة في التعامل مع هذه القضئية- فلا هي التي تقدر على منح عقارات بديلة للمستأجرين، ولا هي التي تسطع إقناع فئة الملاك بقبول تعطيل ملكياتهم المكفولة دستوريًا- على الأقل أكثر مما عُطِّلت فيه هذه الملكية. وهو ما يجعل الحكومة في موقف لا تحسد عليه، فيما يتعلق بكيفية التوفيق بين مركزين قانونيين متعارضين، أحدهما يتخذ من فكرة الحق سندًا له(الملاك)، بينما يتخذ الآخر من فكرة الاستحقاق ذريعة له(المستأجرون)، مع الأخذ في الاعتبار أنها تؤخذ بجريرة غيرها من الحكومات التي صدرت هذه الإشكالية ابتداءً، وصدرتها لمن يخلها من الحكومات، واحدة بعد أخرى!!

ومن الناحية الاقتصادية، تثار إشكالية انعدام العوائد الحقيقية للعقارات المستأجرة إيجارا قديمًا؛ إذ لو استوفت هذه العقارات قيمتها الإيجارية السوقية، أو استردها أصحابها، لارتفعت عوائدها مئات الأضعاف، بل آلافًا، مع يستتبعه ذلك من إنعاش الوضع الاقتصادي لفئة الملاك- من ناحية، وما توجه هذه العقارات فيه من أوجه الاستغلال وفقًا للقيمة السوقية- من ناحية أخرى، وما تحصله الدولة من ضرائب من عمليات بيعها وعوائد تأجيرها بالقيمة السوقية- من ناحية ثالثة، بل ومن ناحية رابعة فيما يترتب على تخلي فئة المستأجرين عن تواكلهم على فئة الملاك، من تحولهم إلى العمل من أجل تحصيل مسكن مناسب، من طريق الإيجار أو التمليك.

ومن الناحية الثقافية، فتثار إشكالية توطن قناعات كثير من المستأجرين في أحقيتهم في شغل هذه العقارات بذات النسب الإيجارية الزهيدة التي لا يرتضيها بعض العاملين في مهن تتأسس عوائدها على فكرة “التِبْس” أو البقشيش”، بينما تبين أن منهم من يمتلك أملاكًا ويؤجرها وفق قوانين الإيجار الجديد، فهذا التصور يعكس ثقافة مجتمعية تقوم على الجور وغمط حقوق الآخرين بذريعة أن لديهم عقدًا قديمًا!!

وبعدما عرضنا بإيجاز لأبعاد هذه القضية، يتبقى لنا أن نعرض للحلول المقترحة لها، من مظور دستوري يوازن بين هذه الاعتبارات جميعًا.

أولاً: لا يجدر بالمشرع أن يتدخل لإنهاء هذه العقود بنص تشريعي، لكي لا يتعرض لعدم الدستورية، من طريق إهدار القوة الملزمة للعقود، والتي تستمدها العقود من مبدأ سلطان الإرادة. فإذا كان من ولاية المشرع أن ينظم آثار العقود، فإن ولايته هذه تغل فيما يتعلق بإهدار قوتها، وهذا من الأصول التي تقوم عليها النظرية العقدية.

ثانيًا: ينبغي للمشرع أن يتخذ من التدابير العلاجية ما من شأنه الحض على انتهاء هذه العلاقات الإيجارية عملاً وبمبادرات من المستأجرين؛ كأن يضع حدين “أدنى وأقى” للقيمة الإيجارية، ويقرنهما بزيادة متصاعدة خلال فترة معينة يكون من شأنها حمل المستأجرين على البحث عن إيجارات أخرى أو البقاء في إيجاراتهم بمقابلها.

ثالثًا: نندب للمشرع أن يضع حدين أدنى وأقصى للقيمة الإيجارية التي قُضي بعدم دستورية تثبيتها في نوفمبر 2024م، وترك أمر تقدير الأجرة المناسبة لمحكمة الموضوع، وفق معطيات الواقع وظروف المستأجر وحالة العقار ومكان تواجده ومدة استئجاره، مستشهدين في ذلك بما يتركه المشرع لقاضي الأحوال الشخصية من حرية في تقدير النفقة المستحقة للمطلقة وللأولاد، بناءً على حالة المطلق وظروف المطلقة والأولاد.

وهذا أدعى إلى أن تعتد المحاكم- على اختلاف أماكن تواجدها، بظروف المالك- من ناحية، وظروف المستأجر- من ناحية أخرى، وحالة العقار- من ناحية ثالثة. فليس أجدر من قاضي الموضوع بتحديد الأجرة المناسبة في هذا الصدد.

رابعًا: يجدر بوزارة الإسكان أن تستهدف الفئات الأضعف من بين المستأجرين بخطط تنموية خلال فترة زمنية معينة، تتمكن خلالها من تسكينهم في وحدات مبنية- إيجارًا كان أو تمليكًا.

هذا، وإلى لقاء في مقالة أخرى حول أثر الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا في هذا الشأن.

أ.د. حسين المقداد.. ((أكاديمي وحقوقي مصري))

 

 

 

 


#الإيجار القديم #البروفيسور حسين المقداد #الدكتور حسين مقداد #العالم الان #حسين المقداد

اخبار مرتبطة