.. وكنا صغار وبنسمع حكايات وأساطير عن الجن والعفاريت وأمنا الغولة ، كانت قريتنا فى بداية الثمانينيات تعج فى ظلام دامس أيام طويلة ، وبعد كده بقت الكهرباء تيجى ثلاثة أيام فى الأسبوع وبقية الأيام نجهز «اللمض العويل « والبانورة اللى بزجاج نغسلها كويس ، كان فى وسط القرية منطقة واسعة «سوق القرية» وفيها بيت مهجور سكانه سابوه من سنين والناس قالت عليه مسكون بالجن والعفاريت ، وفى ليلة ضلمة قوى طلع لينا العفريت بص علينا من شباك البيت المسكون وكان لابس أبيض وواضح قوى من بعيد، تجمعنا كلنا كبير وصغير نتفرج على العفريت الأبيض الى ظهر بعد صلاة العشا ، ناس قالت جن وناس قالت عفريت واختلفنا على إن العفريت مش أبيض إحنا قالولنا عليه إنه أسود ، جه واحد كبير وقال ده جن مصور محدش يرجمه بالطوب أحسن يسكن فيه ، الرعب ملأ قلوبنا وقدام بيت جيرانا قعدنا ، عشرة عشرين وشوية بقينا تلاتين ، كلنا أطفال إلا شوية من الكبار، سهرنا وطال السهر والليل كله مش معانا غير حكاية العفريت الأبيض إلى واقف ومش بيتحرك ، ومع بزوغ أول خيط من الصباح ، لقينا برضه العفريت الأبيض لسه واقف فى شباك البيت المهجور والغريب إنه كان قاصد يبص علينا وده اللى كان محيرنا .. لأنه كان قاصدنا إحنا اللى قاعدين مستنين يعمل إيه فينا ، لكن فجأة !! قررنا نتحرك شوية لقدام خطوة .. خطوة .. وقلوبنا من الخوف بتهز الأرض من تحتينا ، كل واحد فينا ماسك جلبية التانى ، كل ما نقرب ناحية البيت المهجور الضوء يبدأ يكشف لنا حقيقة الموضوع ، وبعد ما وصلنا إلى مسافة أمتار قليلة اكتشفنا إن العفريت اللى سهرنا الليل بطوله طلع حمار أبيض دخل من فتحة خلفية للبيت وطلع على السلم ومن حديد شباك الدور الثانى أخرج رأسه لكنه لم يستطيع إعادتها مرة أخرى حتى أنه أتحشر وأصبح جسد الحمار داخل البيت ورأسه خارج الشباك ، «افتكرنا حاجة مهمة إن فى بداية الليل ومع ظهور العفريت الأبيض ، مر علينا ناس سألونا عن حمار أبيض ضايع منهم و بيسألونا إحنا ، حمارهم راح فين ، وكان جوابنا عليهم سيبكو من الحمار وتعالوا شوفوا العفريت الأبيض اللى طلع فى البيت المسكون « ضربنا أخماس فى أسداس وضحكنا والضحك سمع كل الناس على ايه .. على عفريت قريتنا!!
……………………..
الشيخ راغب موشيه!!
فى الزمان الذى يختلط فيه الواقع بالخيال، والظلام بالنور، تبدأ حكاية «الشيخ راغب» التى عشتها بنفسى. كانت ليلة عادية، كما يظنها البعض، لكن ما حدث فيها غيّر مفاهيمنا عن العالم من حولنا. كانت الغرفة الصغيرة التى نعيش فيها ضيقة، بالكاد تتسع لأجسادنا، ولكن تلك الليلة لم تكن كأى ليلة.
فى تلك اللحظات التى تظن فيها أن كل شىء تحت السيطرة، ينسل شيئًا غير مرئى ليؤثر فينا بطريقة لم نكن نتوقعها.
فى اللحظة التى حاول فيها «راغب» أن يتسلل إلى جسد صديقى حسين، كانت بداية رحلة اكتشفنا فيها حقيقة أخرى من عالم لا يعترف بالمنطق، حيث لا تنتهى الحكايات أبدًا.
«راغب» ليس اسمًا عابرًا أو شخصًا من الماضى البعيد، بل هو جسر بين عالمين. كان ضيفًا ثقيلًا، فى جسد ضيف آخر، ليحكى لنا عن حياته القديمة كـ «يهودى» فى الإسكندرية، عن تجارة وصداقات، وعن نهايات قديمة انتهت بجريمة قتل..!!
«فى نهاية عام 1998، كنت أقيم فى شقة متواضعة، وكان نصيبنا منها غرفة واحدة بسرير واحد، وكان إيجار الغرفة أربعين جنيهًا. جاءنى فى زيارة يومًا ما، حيث كان يُقيم عند شقيقته الكبرى. طلب أن يبيت عندى، فقلت له: تفضل، المكان مكانك.
تصادف فى تلك الليلة وجود صديق قديم لى، كان يعمل محاميًا تحت التمرين. وعندما أقبل الليل، اتخذ كل منا مضجعه، وراح فى نوم عميق.
وفجأة… وجدت صديقى المحامى يهز جسدى بقوة، يُنبهنى أن أصحو لأشاهد ما يحدث فى الغرفة. فتحت عينىّ، لأرى مشهدًا غريبًا للغاية… رأيت صديقنا الثالث فى وضع مقلوب! رأسه فى الأرض وقدماه إلى أعلى.. استغربت المنظر وقلت له: ـ حسين! حسين! إيه اللى بتعمله ده؟ إزاى تنام ورأسك فى الأرض ورجليك فوق؟ لم يُجبنى؟
لكننى رأيت أمرًا أغرب… وجهه تغير، سواد خيّم عليه، وتجاعيد الغضب ظهرت، وحواجبه ارتفعت كأنها إشارة مرور، ثم نطق بصوت جهورى، كأنه زلزال هز أركان الغرفة الصغيرة:
ـ أنا مش حسين… أنا مش حسين!
نظرنا لبعضنا أنا وصديقى المحامى، وكاد الشيب يقترب من رؤوسنا. الخوف تملّكنا، وأطرافنا بدأت ترتجف، فسألناه:
ـ أمال حضرتك تبقى مين؟ مش إنت حسين؟
جاء الرد مرة أخرى:- أنا مش حسين… أنا قرينه!
سألته بدهشة:- قرينه؟! إزاى؟ مش فاهم!
قال:ـ أنا قرين حسين. واسمى «راغب».
قلت : راغب مين مش أنت حسين؟
قال : أنا راغب موشيه !!
قلت:ـ أمّال حسين فين؟
رد بصوت كأنه قادم من زمن سحيق:
ـ أنا لبست حسين. هو كان رايح الشغل بالليل، ومشى من طريق مقطوع. وفى مكانى اللى نايم فيه ليّا أكتر من خمسين سنة، صحّانى. زعلت منه، ومشيت معاه فى تراب جزمته لحد هنا وهو دلوقتى نايم محدش يصحيه. وهو اللحظة دى يهمنى أمره، وأنا قرينه!
ضربنا أخماسا فى أسداس، أنا وصديقى المحامى. اتصلت بشقيق حسين، الذى حضر بعد أن انصرف «راغب» مع سماع أذان الفجر وقراءة القرآن.
استيقظ حسين، ولم نُخبره بشىء عن «راغب»، لكنّه بادر بالسؤال:
ـ هو ليه جسمى مكسر؟ حاسس إن حد كان مقيّدنى بسلاسل حديد!
عمّ الصمت المكان، ولم يجرؤ أحد على الرد.
على مدار ثلاثة أشهر، كنت قريبًا من حسين. وقررت أن أبحث عن حل لقطع علاقة «راغب» بهذا الجسد الطيب. بدأت أبحث عن أشخاص لهم باع طويل فى استخراج الجن من الجسد…
لكن الغريب أن «راغب» كان، كلما عمّ الليل وساد الصمت، يعود إلى الجسد الطاهر، ويبدأ يروى لى أغرب القصص والحكايات التى لا يصدقها عقل أو منطق!
بدأ حكاياته بأنه «يهودى الجنسية»، وكان تاجرًا كبيرًا فى حارة اليهود بالإسكندرية. له صديق مقرب، وذات يوم ذهبا معًا إلى القاهرة، وهناك فى صحراء العباسية، طعنه صديقه ليستولى على أمواله التى كان يحملها لشراء بعض الاحتياجات.
ثم بدأ يحكى لى روايات عن الثورة، وحبه لأم كلثوم، وسماعه للقرآن الكريم!!.
…………………………..
” كعاب البوص”
.. ولما كنا فى المرحلة الابتدائية ، كانت الدنيا بسيطة وسهلة شوية ، لعب وحب وصداقة صافية نقية ، رحلتنا من البيت إلى المدرسة كلها حكايات حقيقية، أطفال وكانت لينا أحلام وردية ، وهناك داخل الفصل كان معانا أستاذنا مهدى التمساح أبو إيد عفية أطال الله فى عمره ، كانت مادته الحساب وكان شديد علينا شوية ، الصفعة منه على «الوش» وكـأنها قنبلة مدوية ، وفى يوم من الأيام قالنا كل واحد فيكم يجيب من غيط أبوه 10 كعاب بوص قيضى « عيدان الذرة الرفيعة» ويشرفهم بيه ، ضربنا أخماسا فى أسداس عن سر كعاب البوص اللى طلبها الأستاذ من شوية ، رجعنا البيت وجبنا اللى المطلوب وتانى يوم روحنا المدرسة وشايلين معانا كل واحد فينا 10 كعاب بوص ، دخل التمساح علينا واللى مجابش كعاب البوص كان نصيبه علقة هنية ، قال : كل واحد يخرج كعاب البوص من شنطته «اللى كانت من قماش» وسأل أحمد زميلنا : معاك كام كعب ، رد أحمد : 10 كعاب .
قال التمساح : أعطى منهم أثنان لى اللى جنبك يتبقى معاك كام : رد أحمد ، يبقى معايا 8 كعاب .. وقال المعلم : كعب + كعب يبقوا كام يا ولاد ، ردينا كلنا فى صوت واحد يبقوا اتنين يا أستاذ ، طيب كعبين وكعبين يبقوا كام يا ولاد ، ردينا : يبقوا أربع كعاب.. وبهذه الطريقة تعلمنا الحساب.
