لم تعد الحروب تُخاض على الأرض فحسب، بل أصبحت تدور في الفضاء الإلكتروني. من خلف الشاشات، ومن قلب غرف مظلمة لا تُرى، تتحرك جماعات إرهابية مسلحة بالتقنية لا بالبنادق، تُرسل فيروسات مدمرة بدلًا من القنابل، وتزرع الذعر داخل المجتمعات من خلال اختراق الشبكات وتعطيل الأنظمة الحيوية. هذا هو الإرهاب الإلكتروني: التهديد الصامت، والخطر المتخفي الذي لا يُرى بالعين، لكنه يضرب في عمق الأمن القومي.
في السنوات الأخيرة، لم يعد الإنترنت مجرد وسيلة تواصل أو فضاء معرفي، بل تحوّل إلى ساحة حرب مفتوحة تستخدمها التنظيمات الإرهابية بذكاء شديد. فهم لم يعودوا بحاجة إلى عبور الحدود أو تهريب المتفجرات، بل يكفيهم الاتصال بالإنترنت وامتلاك حاسوب، لشنّ هجمات يمكنها إيقاف مطارات، أو تعطيل شبكات كهرباء، أو حتى اختراق أجهزة سيادية ونشر بيانات سرّية.
إحصائيات مثيرة للقلق:
وفقًا لتقارير حديثة صادرة عن المركز الأوروبي لمكافحة الجرائم الإلكترونية، فإن عدد الهجمات السيبرانية ذات الطابع الإرهابي ارتفع بنسبة 320٪ منذ عام 2020، مستهدفة بنى تحتية حيوية مثل المستشفيات، والمطارات، والبنوك المركزية، مما يُظهر تطورًا مخيفًا في أساليب الإرهاب الرقمي.
لكن الأخطر من ذلك أن الجماعات المتطرفة لم تكتفِ بالهجوم، بل استغلت الفضاء السيبراني في التجنيد والدعاية والتدريب. منصات التواصل، التطبيقات المشفّرة، والألعاب الإلكترونية، أصبحت كلها أدوات في يد المتطرفين لتجنيد الشباب والتأثير على العقول دون أن يغادر الإرهابي مقعده.
في المقابل، تواجه الدول تحديًا قانونيًا حادًا. فالكثير من التشريعات، خاصة في الدول النامية، لا تزال قاصرة عن ملاحقة هذا النوع من الجريمة المعقدة. في بعض الحالات، لا يُعترف قانونًا بالجريمة الإلكترونية ذات البعد الإرهابي، مما يصعّب من إجراءات المحاكمة ويُضعف التعاون الدولي في الملاحقة.
وفي مصر، وعلى الرغم من وجود قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، إلا أن الحاجة باتت ملحّة لإضافة نصوص واضحة تتعلق بالإرهاب السيبراني، وآليات رصد التمويل الإلكتروني، وتعزيز قدرات جهات إنفاذ القانون على التعامل مع الأدلة الرقمية.
▪️ الحل ليس أمنيًا فقط. بل لا بد من بناء وعي عام، وتحصين الأفراد، وخلق إعلام رقمي واعٍ، وتعزيز المناعة الفكرية خاصة بين فئة الشباب، الذين أصبحوا أكثر عرضة للتأثر عبر المحتوى المتطرف المنتشر على المنصات الرقمية.
في عالم تقوده البيانات ويُحكم بالخوارزميات، أصبحت الحرب ضد الإرهاب لا تُخاض في الصحراء أو الجبال، بل على شاشات مضيئة. ولذا، فالمعركة القادمة هي معركة الوعي، والتشريع، والتكنولوجيا. ومن لا يُطوّر أدواته القانونية والأمنية اليوم، قد يدفع الثمن غدًا بأمنه واستقراره.
بقلم: د. سمر عادل
دكتوراه القانون الجنائئ – كلية الحقوق – جامعة طنطا