مع اقتراب نهاية الربع الثالث من العام، الذي يحقق فيه معظم الناقلين الأوروبيين غالبية أرباحهم، يبرز تحدٍ واضح يتمثل في استمرار تأخيرات تسليم الطائرات التي تعصف بالصناعة منذ سنوات. هذه الأزمة تعيد تشكيل خطط شركات الطيران الأوروبية للتوسع في السعة والشبكات، حيث أصبح نموذج التأجير التشغيلي الشامل للطائرات (ACMI) الخيار الأكثر جدوى، ذلك ما أشار إليه مارتن ستولايتير، الرئيس التنفيذي لشركة «إير إكسبلور» أكبر ناقل جوي في سلوفاكيا.
ويعكس الوضع الحالي اختلالاً غير مسبوق بين العرض والطلب؛ إذ تجاوزت طلبات الطائرات المتراكمة لدى «بوينج» و«إيرباص» في يوليو الماضي أكثر من 16 ألف طائرة لأول مرة في التاريخ. وتفاقمت الأزمة بسبب نقص المحركات ومكونات المقصورات، حيث يوجد حالياً نحو 60 طائرة «إيرباص A320 نيو» مكتملة دون محركات بسبب نقص محركات «برات آند ويتني»، فيما تواصل «بوينج» مواجهة قيود إنتاجية دفعت بمواعيد التسليم إلى عام 2026 وما بعده.
وتشير بيانات الصناعة إلى أن تسليم الطائرات في 2024 بلغ 1254 طائرة فقط، أي أقل بنسبة 30% من توقعات المحللين، بينما يبقى الرقم المتوقع لعام 2025 عند 1802 طائرة غير مضمون، ويبتعد كثيراً عن التوقعات السابقة البالغة 2293 طائرة. هذه التأخيرات طالت كذلك مقاعد الركاب والمكونات الداخلية، ما أضاف شهوراً جديدة إلى جداول التسليم، في ظل صعوبة رفع الطاقة الإنتاجية لمقاعد رجال الأعمال التي قد يصل سعر الواحد منها إلى 100 ألف دولار.
ويحذر محللون من أن تداعيات هذه الأزمة ستستمر حتى نهاية العقد الحالي على الأقل، مع توقع بقاء أسعار التذاكر مرتفعة بفعل ما يصفه الخبراء بـ«انضباط السعة»، حيث أدى نقص الطائرات إلى تقليص المنافسة وتوفير بيئة لتبرير الأسعار الأعلى. وأوضح ستولايتير أن شركات الطيران لم تعد قادرة على الاعتماد على دورات السعة التقليدية أو إعادة الطائرات الصيفية، ما يفرض إعادة هيكلة استراتيجية تجعل حلول السعة المرنة عبر عقود ACMI أداة أساسية للحفاظ على القدرة التنافسية واستقرار الشبكات.
وقد اعترفت شركات كبرى مثل «رايان إير» و«ويز إير» بنقص التسليم، حيث أعلنت الأخيرة تأجيل تسلم طلبية تضم 280 طائرة «إيرباص» حتى عام 2031 وخفض توقعات نموها من 20% إلى ما بين 10 و12%. ويؤكد ستولايتير أن هذا التحول البنيوي في توافر الطائرات يجعل من التأجير التشغيلي الشامل ضرورة استراتيجية على مدار العام بعدما كان يُنظر إليه كحل موسمي.
ويتيح نموذج ACMI لشركات الطيران زيادة السعة بشكل فعال من حيث التكلفة عبر خفض التكاليف الثابتة والاستفادة من شروط محاسبية أكثر ملاءمة مقارنة بالتأجير التقليدي. وتبرز أوروبا الوسطى والشرقية كنقطة انطلاق مثالية لتطوير قدرات ACMI بفضل موقعها الاستراتيجي وتنافسيتها في التكاليف، ما يوفر فرص نمو كبيرة للمشغلين في المنطقة.
وتعد «إير إكسبلور» مثالاً لذلك، إذ توسعت منذ تأسيسها عام 2010 من طائرة واحدة إلى أسطول يضم 16 طائرة «بوينج 737-800»، معززة مكانتها بعد انضمامها في 2024 إلى مجموعة «أفيا سلوشنز» التي تشغل 209 طائرات ركاب وشحن حول العالم. ويمنحها ذلك القدرة على إعادة توزيع الطائرات لتلبية الأسواق المختلفة موسمياً، مع الاستفادة من موقعها في براتيسلافا لخدمة مسارات أوروبية متنوعة بتكاليف أقل.
ويختتم الرئيس التنفيذي لـ«إير إكسبلور» بالتأكيد أن العمل الحقيقي يبدأ الآن، حيث ستحدد المرونة والموثوقية والشراكات الاستراتيجية أي شركات الطيران ستنجح في التكيف مع واقع تأخيرات التسليم المستمرة التي لم تعد موسمية بل ممتدة لسنوات.