أكد المستشار الدكتور طارق منصور، خبير استراتيجيات الحرب والأمن القومي، أن الوعي درع الأمة؛ إن سقط، سقط كل شيء. وأضاف أن عدوّنا لم يعد يواجهنا بالدبابة وحدها، ولا بالصاروخ فقط، بل يواجهنا بما هو أخطر: يواجهنا بالوعي المسموم، بالإعلام الموجَّه الذي لا يقل خطراً عن المدفع والدبابة، وبتدمير الكفاءات الوطنية لصالح أصحاب القدرات المحدودة من أهل المحسوبية عديمي الكفاءة، وبالحرب النفسية التي تسلب الشعوب إرادتها قبل أن تسلبها أرضها. الإعلام سلاح قومي.
وأشار الدكتور منصور إلى أن الأمن القومي ليس حدودًا مرسومة على الخرائط، ولا جيوشًا مصطفة في الثكنات. الأمن القومي هو اقتصاد قوي، وإعلام يقظ، وثقافة راسخة، ووعي جمعي لا يخترقه الاستعمار الجديد مهما غيّر أقنعته. من يتصور أن القوة العسكرية وحدها تكفي فهو واهم؛ فالـتنمية هي خط الدفاع الأول، والوعي هو السلاح الذي لا تنكسر حدته.
حين ننظر إلى خريطة الصراع من فلسطين إلى أوكرانيا، ومن شوارع غزة إلى أروقة البيت الأبيض، ندرك أن العالم يعيش لحظة فارقة. لم تعد المعارك تقاس بعدد الدبابات أو الطائرات، بل بقدرة الشعوب على الصمود، وبإرادتها على كسر قيود الخوف، وبوعيها الذي يواجه طوفان التضليل والإعلام الموجَّه. فالحرب الحالية والمقبلة ليست على الأرض فقط، بل على العقول. من يكسب الوعي يكسب المعركة، ومن يهزم في وعيه سيُهزم في الميدان قبل أن تُطلق أول رصاصة. الإعلام اليوم صار سلاحًا قوميًا، والحرب النفسية باتت نصف النصر أو نصف الهزيمة.
وأكد المستشار الدكتور طارق منصور أن الجميع يجب أن يعي أن غزة اليوم ليست مجرد مدينة محاصَرة، بل قلب الأمة النابض، تقاتل نيابة عن الجميع. وهناك رجال يصنعون من الحجارة صواريخ، ومن الأنقاض إرادة، ومن دمائهم حياة جديدة للأمة. من يظن أن إسرائيل تنتصر فهو واهم؛ إسرائيل تنهار من الداخل، تنهشها المخاوف وتطاردها الأشباح التي صنعتها المقاومة. فالمقاومة الفلسطينية، في غزة تحديدًا، ليست بندقية بيد مقاتل فحسب، بل هي مدرسة استراتيجية هزمت نظريات الحرب الكلاسيكية. لقد أرهقت إسرائيل نفسيًا واجتماعيًا، وحوّلت الخوف والرعب والانهيار إلى جزء من حياتها اليومية. إن غزة اليوم تختصر معنى الأمة: جغرافيا صغيرة تحمل هوية كبيرة، تقاتل نيابة عن أمة تخلّت عنها أنظمتها، لكن لم يتخلَّ عنها شعبها.
وأوضح الدكتور منصور أن أوروبا اعترفت بفلسطين لا حبًّا في أطفالها ولا شفقة على شهدائها، وليس بدافع الأخلاق أو الإنسانية، بل بدافع المصالح وحدها، لأن أمريكا خانتها في أوكرانيا، فاختارت أن ترد الصفعة باعتراف يهزّ الكيان الصهيوني. إنها لعبة مصالح، لكنها فرصة تاريخية يجب أن نستثمرها بوعي لا بشعارات فارغة.
واختتم المستشار الدكتور طارق منصور بأن أزمتنا الكبرى كعرب ليست من قلة الرجال ولا نقص السلاح، بل في غياب الإرادة وتشتت الوعي والقرار والتبعية. من يخذل غزة اليوم يخذل نفسه، ومن يتخلى عن المقاومة يتخلى عن آخر ما تبقى للأمة من كرامة. المقاومة قدر الأمة؛ من تخلى عنها تخلت عنه الأرض والعِرض، ومن يخذل غزة اليوم فقد خان دينه وعروبته وتاريخه. إنها ساعة الحقيقة: إنها ساعة الصفر.. إمّا أن ننهض بوعي جديد نصنع به مستقبلنا، أو نظل أسرى وهم القوة الزائفة التي يصنعها لنا الآخرون ونظل عبيدًا لأوهام الغرب واستعماره المقنَّع.