أوضح المستشار الدكتور طارق منصور – خبير استراتيجيات الحرب والأمن القومي – أن: في كل مرة تضيء فيها السماء نارًا فوق غزة وتنفجر فيها الأرض، ويعلو الدخان من بين الجثث المتفحمة تحت أنقاض البيوت، يتسابق بعضنا للقول: (غزة تنزف)… وكأن ما يجري هناك ظاهرة طارئة أو مشهد مأساوي جديد في فيلم قديم. لكن الحقيقة أبعد وأقسى: غزة لا تنزف فقط دماء أبنائها، بل تنزف بالنيابة عن أمة لم يعد يجري في عروقها سوى الصمت والخزي والتواطؤ والعار.”
وأضاف أن: “غزة كتبت شهادة وفاة أمة كانت تُوصف يومًا بأنها خير أمة أُخرجت للناس.. غزة لا تحتاج البكاء على الأطلال، بل تحتاج رجالًا يعرفون أن الكرامة لا تُشترى ففي كل مرة تُقصف غزة، تسقط أقنعة، وتظهر عورات، وتتكشف حقائق كانت تُخفى خلف الشعارات والقمم والبيانات الجوفاء. وبينما تقف غزة شامخة تحت الحمم، لا تزال الأمة الإسلامية تصمّ آذانها، وتغضّ أبصارها، وتكتفي بالدعاء، إن تذكرت!”
وأكد الدكتور طارق منصور أن غزة لا تنزف لأن العدو أقوى، بل لأنها مكشوفة الظهر، ولأن خناجر “الأشقاء” أكثر حدّة من صواريخ العدو.
نعم، غزة تنزف… لكن الدم الذي يُسفك في شوارعها هو في الحقيقة دم الأمة التي ماتت واقفة، فمن أراد أن يُنقذ غزة، فليُنقذ نفسه أولًا من لعنة الجبن، ومن لعنة الحياد في زمن الذبح. ومن لا يزال يحتفظ بذرة شرف، فليُدرك أن كل قطرة دم تُسفك هناك، تكتب في تاريخنا: (هنا ماتت الأمة… وقاومت غزة وحدها).”
وتابع قائلاً: “من يظن أن غزة تُذبح لأنها وحيدة، فهو لا يفهم المعادلة فغزة لا تحتاج جيوشًا لتحميها، بل تحتاج أمة لا تتخلى، لا تتفرج، لا تصمت، غزة ليست الضحية، بل هي الفضيحة التي عرّت أمة سقطت في اختبار الكرامة، وتواطأت أنظمتها، وتجمدت ضمائر شعوبها، وارتضت أن تراقب مشهد القتل وكأن على رؤوسهم الطير.”
وأضاف: غزة ليست من تنزف… الأمة هي من نزفت كل قيمها وأخلاقها، نزفت شهامتها، ونزفت إيمانها بأن فلسطين ليست (قضية فلسطينية)، بل قضية وجود وهوية وكرامة. غزة لا تحتاج من يبكيها، بل من ينتصر لها. لا تريد بيانات الإدانة، بل تريد كسر الحصار، ووقف التنسيق، وفتح الحدود، وخلع الأقنعة.”
وأوضح منصور أن خذلان الأمة لغزة ليس وليد اليوم: ” إنه حصيلة سنوات من الصمت العربي، ومن تحالفات الخيانة، ومن تجريم المقاومة، ومن تقديم فلسطين على موائد التطبيع كأنها طبق شهي في مائدة الخنوع خذلان الأمة لغزة ليس خذلانًا لشعب، بل خيانة لعقيدة، وعارٌ على جبين التاريخ وإن لم تنتصروا لغزة اليوم، فاعلموا أن يومًا ستُذبحون كما تُذبح، ولن يجد صراخكم من يسمعه، كما لا يسمع أحد صراخها الآن. غزة لا تسقط… لكن أنتم تسقطون معها، مرةً بعد مرة، كلما صمتُّم، كلما خذلتُم، وكلما بعتم القضية.”
وأضاف: في كل شارع من شوارع غزة المهجّرة، تجد طفلًا بلا أم، أو يتيمًا فقد أباه وإخوته في غارة ليلية. منازل أُبيدت على رؤوس ساكنيها، ومدارس أصبحت ملاجئ تعج بالدموع والخوف، والخيام لا تقي برد الليل ولا قسوة الحرب. هناك جيل فلسطيني كامل يُولد على وقع الانفجارات وبحار الدماء، ولا يعرف شيئًا عن الطفولة سوى صوت الطائرات وصراخ الموت.”
وتابع قائلًا: الطفل الذي يُقتل في غزة، هو ليس مجرد شهيد فلسطيني، بل هو شهادة وفاة لكل من باع، وصمت، وساوم، وتاجرالطائرات لا تقصف غزة فقط، بل تقصف ما تبقى من نخوة هذه الأمة غزة تُقاوم، بينما الآخرون يُساومون.. غزة تُقصف، وهم يقيمون الحفلات، غزة تصمد، وهم يبررون الخيانة باسم الواقعية والتوازنات، لقد أصبحت فلسطين قضية مزعجة في نشرات الأخبار، وعائقًا في صفقات الغاز والتحالفات الاقتصادية أصبحت غزة مصدر قلق للأنظمة التي اعتادت على الذل، لا على المقاومة.”
وأضاف: ما زالت غزة تُنكل وتُذبح، وتُرجم بالصواريخ، وذلك على مرأى من العالم الأعمى وأُذن المجتمع الدولي الصمّاء. ثم تُطالب بالصمت كي لا تُزعج (حلفاء أمريكا) و(عشاق السلام).”
وفي ختام حديثه، أكد المستشار الدكتور طارق منصور:غزة لا تموت… بل تصرخ في وجهنا جميعًا غزة لا تسألكم صدقات، بل تسألكم موقفًا. تسألكم: أين الجيوش؟ أين المساجد التي تلهج بذكر فلسطين ثم تصمت عن جراحها؟ أين الشيوخ والفتاوى؟ أين المقاطعة؟ أين المقاطعة؟ أين المقاطعة؟ أين السلاح؟ أين القرار؟”
واختتم منصور قائلًا:غدًا لن تُسأل غزة كيف صمدت… بل ستُسألون: لماذا خذلتم؟ ولماذا بعتم؟ ولماذا كنتم شهداء زور في زمن الغدر؟ لا تقولوا إن غزة وحدها. بل اسألوا أنفسكم: من الذي تركها وحدها؟ من الذي خانها ونافق؟ من الذي باع القضية في أسواق صفقات القرن؟ من الذي أغلق المعابر، وشيد الجدران، وصدّر التصريحات المتخاذلة وهو يعلم أنه يطعن خاصرة المقاومة؟!”
“غزة لا تبحث عن دموع المتعاطفين ولا شعارات الخطباء، بل تصرخ في وجه الأمة: أين أنتم؟! تصرخ في وجه الزعماء، في وجه الإعلام، في وجه كل من باع القضية وغيّب الحقيقة. إن دماء الأطفال لن تجف، ودموع الأمهات لن تُنسى، وصور الشهداء ستظل لعنة تطارد صمت المتخاذلين. أما غزة، فبرغم الألم والدمار، ستظل تقاوم، وستبقى الشوكة التي تجرح غرور الطغاة.”