المشهد الإيراني الإسرائيلي الحالي يبدو أشبه بمباراة حاسمة، مع فارق التشبيه الكبير، إلا أن تشابه المراحل والتكتيكات العسكرية والسياسية يعطي انطباعًا بذلك.
ففي السنوات الأخيرة، استطاعت إسرائيل أن تتعامل مع عدد من التهديدات المحيطة بها، والتي كانت تُعد امتدادات مباشرة للنفوذ الإيراني في المنطقة. فحركة “حماس” في غزة تَعرّضت لبنية تحتية منهكة نتيجة العمليات العسكرية، أما “حزب الله” فبات حضوره في المشهد الإقليمي أكثر هشاشة مقارنة بالسنوات السابقة. كذلك، تلقت جماعة “الحوثيين” في اليمن ضربات أفقدتها جزءًا كبيرًا من قدرتها الصاروخية.
وجاءت تغييرات سياسية في سوريا لتُسهم – بحسب تقارير – في تقليص الحضور الإيراني هناك، خاصة مع بروز قيادة جديدة في دمشق، أقل ارتباطًا بطهران من سابقاتها. ومع هذه التطورات، قد يُقال إن إسرائيل اجتازت ما يشبه “الأدوار التمهيدية”، لتصل الآن إلى مواجهة مباشرة وأكثر تعقيدًا: صدام محتمل مع إيران ذاتها.
المشهد الأول:
في تطور غير مسبوق، ذكرت وسائل إعلام دولية أن إسرائيل شنت غارات جوية مكثفة، قُدّر عدد الطائرات المشاركة فيها بـ200 طائرة، اخترقت المجال الجوي الإيراني، ونفذت عمليات دقيقة استهدفت منشآت وقادة رفيعي المستوى، من بينهم علماء نوويون.
العملية أثارت موجة من التساؤلات: كيف نجحت هذه الطائرات في العبور والوصول إلى أهدافها دون اعتراض فعال؟ وهل يُعقل أن يُنفّذ هجوم بهذا الحجم دون إسقاط ولو عدد محدود من الطائرات؟
تشير هذه التساؤلات إلى فجوة محتملة في الدفاعات الإيرانية، أو إلى اتفاقات وتحالفات إقليمية سهلت مرور الطائرات في ظروف استثنائية.
المشهد الثاني:
الرد الإيراني لم يتأخر، إذ أطلقت طهران هجومًا مضادًا شمل صواريخ ومسيرات استهدفت مواقع إسرائيلية، وألحق – وفق مقاطع مصورة وتحليلات – أضرارًا في البنية التحتية.
ما يلفت الانتباه أن مستوى ودقة هذا الرد يفوق ما اعتادته المنطقة سابقًا، حتى بالمقارنة مع ضربات انتقامية إيرانية سابقة عقب اغتيال شخصيات مثل إسماعيل هنية، أو قادة من “الحرس الثوري”.
هذا يفتح بابًا للتساؤل: إذا كانت إيران تملك هذه القدرات، لماذا لم تستخدمها سابقًا؟ وهل كانت تُبقيها ضمن إستراتيجية “الردع المؤجل”؟ أم أن التصعيد الأخير تجاوز خطوطًا حمراء دفعتها إلى استخدام ما كانت تتحفظ عليه؟
المشهد الثالث:
عدد من الدول المجاورة أغلقت مجالاتها الجوية تزامنًا مع الضربات، قبل أن تعيد فتحها لاحقًا، ما يشير إلى مستوى من التنسيق أو العلم المسبق بحدوث تصعيد.
مصر، على سبيل المثال، شهد مجالها الجوي ضغطًا غير مسبوق نتيجة تحويل عدد كبير من الرحلات، وهو ما دفع إلى نقاش إعلامي حول تبعات هذا التحميل المفاجئ.
ويُطرح سؤال مشروع: من الذي أوصى بإغلاق هذه المجالات؟ ومن أعطى الضوء الأخضر لإعادة فتحها بينما العمليات لا تزال جارية؟
هذا السياق يعكس حجم التداخل الدولي والإقليمي، وأن ما يجري ليس مجرد صدام ثنائي بين طهران وتل أبيب، بل جزء من شبكة أعقد من الحسابات الأمنية والسياسية والجغرافية.
ما يحدث الآن لا يمكن فصله عن الصراع الطويل على النفوذ في الشرق الأوسط، بين محورين يتباينان في الأيديولوجيا والمصالح.
وإذا كانت الضربات الحالية تمثل ذروة تصعيد، فإن الأيام المقبلة ستكشف ما إذا كانت مقدمة لتسوية عبر التفاوض، أم تمهيدًا لجولة جديدة من عدم الاستقرار تمتد إلى ما وراء حدود إيران وإسرائيل.