لو تأملتَ قليلاً، ستلاحظ أن كل فترة من حياتك تُفاجَأ بظاهرة جديدة تتسلل إلى يومك خِلسة، دون سابق إنذار. لا تطلبها، ولا تستعد لها، لكنها تفرض وجودها بقوة، وتصبح شيئًا أساسيًا في روتينك، لدرجة أنك إن حاولت التخلص منها أو حتى تقليلها، تشعر باضطراب، وكأنك تفقد جزءًا من حياتك.
أتأمل مراحل عمري، فأجد أول تلك الظواهر: «الدش» الذي دخل إلى بيوتنا فجأة، وجرى الجميع خلفه لمتابعة القنوات الفضائية، متأثرين بما رأوه في دول الخليج. لم يكن أحد يتخيل أن يصبح طبق صغير على السطح بوابتنا للعالم.
ثم جاء الإنترنت، في بداياته البطيئة، كنا ننتظر فراغ الخط الأرضي لنبدأ تصفحنا، ومع كل خطوة، كانت التكنولوجيا تقترب أكثر فأكثر. تطوّر الهاتف المحمول، أضيفت إليه الكاميرا، ثم تحول إلى جهاز ذكي يتيح لك رؤية وسماع الآخرين عبر القارات، بل وعقد اجتماعات ومناسبات دون مغادرة منزلك.
دخلت وسائل التواصل الاجتماعي حياتنا، وأصبح منّا من لا يستطيع دخول دورة المياه دون أن يكتب منشورًا أو يلتقط صورة! ثم جاء الذكاء الاصطناعي، فجذب البعض بعيدًا عن «السوشيال ميديا»، وانغمسوا فيه حتى صار بديلًا عن التواصل الحقيقي.
في زحام هذه التحولات، تباعدت الأسر، وانقطع دفء اللقاءات، وانحصرت المكالمات حتى باتت تُفسر بأنها “طلب أو مصلحة”. أصبحنا نشكّ في أن من يتصل دون سبب ربما “غريب” أو “يخفي نية ما”.
التحول مرعب، والإقبال عليه هستيري. حتى أصبحتَ تتساءل: هل الخطأ فيك؟ أم أنك الوحيد الذي يسير عكس التيار؟
لقد تجاوز هذا التحول حدود الاستخدام المعقول، فأصبح يخالف كثيرًا من عاداتنا وتقاليدنا، ويبتعد بنا عن قيم ديننا وتاريخنا، حتى بتنا نعيش بجسد هنا، وبعقل ووجدان هناك.