بادئ ذي بدء . تم تلقين الدروس الخطأ لنا في المدارس ،وعلمونا أننا فراعنة ،وجعلونا نفتخر بذلك ؛ رغم عدم صحة تلك المزاعم ، وتم تلقيننا: أن حضارتنا ذات سبعة آلاف سنة وجعلونا أيضا نفخر بذلك وكل هذا تم زرعه ،وحشوه في عقولنا ؛لأغراض في أنفسهم المريضة .
إذا أين هي الحقيقة ؟
حتى أجيب لك على هذا السؤال ؛ لا بد أن تفرغ الكوب تماما وتتلقى مني علما صافيا لا غبار فيه . لقد أثبتت الحفريات أن الحضارة المصرية تمتد الى 39 ألف سنة ( تسعة وثلاثون ألف سنة ) وهذا ما ذكره ضمنيا الكاهن المصري مانيتون السمنودي في كتابيه ( تاريخ مصر ) و ( إيجيبتانا ) والذي كلفه بكتابتهما بطليموس الثاني حوالي 280 ق.م لمعرفته بعلمه وإتقانه للغات مختلفة .
و في جامعة معابد أون ( عين شمس حاليا ) ذكر الكهنة للمؤرخ الإغريقي هيرودوت :أن الحضارة المصرية القديمة منذ تسعة وثلاثون ألف عام . وكما توضح أيضا بردية تورين التي تم اكتشافها في طيبة عام 1824 م بواسطة عالم الأثار ( برناردينو دروفيتي ) المعروف بأسم ( نابليون بروكونسول ) ،وتلك البردية محفوظة في المتحف المصري بمدينة تورينو الإيطالية ؛ والتي دون فيها أكثر من (300 ) ثلاثمائة ملك وحاكم حكموا مصر حتي عصر رمسيس الثاني ؛التي دونت في عصره البردية عام 1150 ق م .
ثانيا نحن نطلق كلمة فراعنة بالخطأ علي عصور ما يسمي بالقدماء المصريين ،والذي يمتد إلي ما قبل عصر الأسرات ؛ بينما الفراعنة فعليا حكموا مصر حوالي مائة عام فقط ، وهم الهكسوس الغزاة وكانوا يحكمون شمال مصر ؛حتي تم طردهم علي يد الملك أحمس .
وهؤلاء الهكسوس أو ما يعرف بالفراعنة ؛هم مشركين وغير موحدين ومنهم فرعون سيدنا موسي أو بما يسمي فرعون الخروج .
هل القدماء المصريين موحدين ؟
لقد ذكر الدكتور / نديم عبد الشافي السيار في كتابيه (القدماء المصريين أول الموحدين) و (المصريين القدماء أول الحنفاء ): أن المصريين القدماء على مدي عصور الأسرات وما قبلها كانت ديانتهم التوحيد الصرف للإله الواحد الأحد.
وعلق علي كتابيه الدكتور / مصطفى محمود :بأن القدماء المصريين موحدين منذ فجر التاريخ العصر الحجري الحديث إلي العصر الروماني لم يحيد المصريين عن توحيدهم .
و يؤكد ذلك عالم الاثار الألماني ( هاينريش كارل بروجش )الشهير ب (بروغش ) ، وهو متخصص في الأبحاث الأثرية والتنقيب ، وله عدة مؤلفات ذكر فيها : أن الشعب المصري أول الشعوب التي تحدثت وكتبت عن الإله الواحد الأحد الذي ليس كمثله شيء الخالق المبدع المصور، وهو أكبر من كل شيء ، ويرى كل شيء ولا يرى .
وذكرت الكاتبة /نعمات أحمد فؤاد في مؤلفاتها العديدة : أن القدماء المصريين كانوا موحدين بإله واحد لا مثيل له في عظمته وقوته وصورته خالق مبدع ليس كمثله شيء.
إذا ما أدلتهم علي تلك الفرضية ؟
سوف نلتقط بعض المحطات سريعا ؛ لنتبين معا مدى صدق توحيدهم وعبادتهم لأله واحد من عدمه .
الحكيم أفلوطين :-
أفلوطين يختلف بالطبع عن أفلاطون الإغريقي المعروف لدي العامة أما أفلوطين فهو فيلسوف حكيم صعيدي ولد في أسيوط عام 205 م وهو كان علي ديانة المصريين القدماء تكلم عن وحدانية الخالق وأن ليس مثله شيء، ولا يحده حد ولا يوجد له صورة ، وهو الذي خلق جميع الصور ،ولقد عرفت في العالم الاسلامي فلسفة أفلوطين بالأفلاطونية الحديثة .
المحطة التالية هي الحكيم لقمان ،وتم ذكره في القرآن الكريم ولقد أثبت
أنه كان أيضا في عصر الأسرات ويعيش في النوبة المصرية ( أسوان حاليا ) وهو مصري من القدماء المصريين الموحدين بالله وكان معاصرا لحكم نبي الله داوود.
ويذكر أن كتاب الموتى هو عبارة عن كتاب يوضع مع المتوفي لمعاونته في الحساب يوم البعث ويحوي الكتاب على جمل التوحيد ، ونفي كل ما هو سلبي في الحياة الدنيا مثل لم أسرق. لم أزني .لم أقم بتلويث ماء النيل. لم أظلم أحد. بالإضافة إلى التقرير الإيجابي؛ كنت محافظا علي عبادتي و علي حسن الجوار والعمل الصالح وإلى أخر تلك العبارات.
كما توجد عبارات مشابهة لكلمات التوحيد على جدران المعابد
وذكر في متون الأهرامات : بالكتابة الهيروغليفية وتنطق كالآتي.
( إنك نتر واع واعو خبر ديس اف ) بمعني ( أنا الاله الواحد الأحد )
وذكر أيضا
( نن ستو اف نب اري جر ) بمعني ( موجد نفسي بنفسي ،ليس كمثلي أحد، رب العالمين ) إذا القدماء المصريين كانوا يعبدون إله واحد لا شريك له
المحطة التالية وهي محطة الأنبياء ،والرسل جميعنا يعلم أن سيدنا إدريس عليه السلام هو أول الأنبياء بعد سيدنا آدم عليه السلام وهو مصري ولد وعاش في مصر وأنزل عليه ثلاثون صحيفة(كما جاء في الحديث الشريف أنزل علي أخي إدريس ثلاثون صحيفة ) وكتب من وحي الإله وتعليمات الملائكة المعلمين له ؛ثلاثمائة كتاب ( تحوي تلك الكتب علوم الطب والهندسة والزراعة واستخراج المعادن والحكم والفلسفة والعبادات ) ولذلك يقال له إدريس من كثرة الدراسة ، ومن المعروف أنه أول من خط ،وخاط ، وخطط المدن وبناها علي أسس ، وطرز معمارية ويعرف في التوراة بأسم أخنوخ ويطلق عليه هيرميس مثلث العظمة لما جمعه من النبوة والعلم والحكمة.
ثم مر علي مصر من الأنبياء سيدنا إبراهيم ،ويعقوب ،ويوسف ،وموسي ، وجاء طفلا إلى مصر سيدنا عيسي عليه السلام ( مصر أرض الحضارة والأنبياء ) .
ومن كل ما سبق يتضح لنا ؛أن القدماء المصريين كانوا موحدين .
فماذا كانوا يعبدون وكيف كانت عبادتهم ؟
يسرني صديقي أن أوضح لك كل أركان الإسلام، وفروضه وسننه كانت في مصر بل الكلمات التي نتداولها الأن هي أصلا كلمات مصرية قديمة .
أولا كان المصري القديم يشهد أن الإله الواحد خالق كل شيء ،وليس كمثله شيء لا حدود له ولا صورة له ولا تسأل عن كيفية صورته لأنه غير كل ما تتخيل ( هذا ما وجدوه مرسوم علي جدران المعابد )
ثانيا الصلاة :-
هل كان القدماء المصريون يصلون ؟
نعم نقشت الصور ، والتماثيل للمصري القديم ، وهو يسجد بوضع ذقنه على الأرض، و وجهه يواجه الإله تعظيما ،وتقديسا له ،ولقد تم ذكر ذلك في القرآن الكريم .
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿قُلۡ ءَامِنُوا۟ بِهِۦۤ أَوۡ لَا تُؤۡمِنُوۤا۟ۚ إِنَّ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡعِلۡمَ مِن قَبۡلِهِۦۤ إِذَا یُتۡلَىٰ عَلَیۡهِمۡ یَخِرُّونَ لِلۡأَذۡقَانِ سُجَّدࣰا ١٠٧﴾ سورة الإسراء
الوضوء :-
وقبل الصلاة كان الكهنة يتوضؤون ،وكان المكان يسمى (وضو بر ) أي بيت الوضوء ولا يسمح بدخول أحد الي المعبد قبل المرور علي بيت الوضوء. كما كانوا يختتنون ،ولا يسمح بدخول المعبد الا لكل مختتن ،ويذكر أن سيدنا إبراهيم اختتن كبيرا ؛حتى يسمح له بدخول المعابد لتدارس عقيدة المصريين القدماء الموحدين .
الصوم :-
كان المصريون القدماء يصومون شهرا قمريا كل عام، ويقال إنه شهر رمضان ،وفي ليلة معينة يطلقون عليها ليلة النور ،أو القدر التي تقدر فيها الأرزاق والأعمار .
ولقد قال الله عز وجل في محكم التنزيل.
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ سورة البقرة 183
والذين من قبلنا هم القدماء المصريين ،والدليل كلمة صوم أصلا كلمة مصرية قديمة وهي كلمة
( صاو) بمعني الامتناع؛أي الامتناع عن المأكل ،و المشرب ،أو العلاقة الزوجية ،أو حتي الإمتناع عن الكلام
حيث نذرت السيدة مريم صوما عن الكلام طبقا لأوامر الله حيث ذكر في القرآن
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿فَكُلِیْ وَ اشْرَبِیْ وَ قَرِّیْ عَیْنًاۚ-فَاِمَّا تَرَیِنَّ مِنَ الْبَشَرِ اَحَدًاۙ-فَقُوْلِیْۤ اِنِّیْ نَذَرْتُ لِلرَّحْمٰنِ صَوْمًا فَلَنْ اُكَلِّمَ الْیَوْمَ اِنْسِیًّا﴾ سورة مريم 26
الزكاة :-
كان القدماء المصريون يقومون بتأدية فريضة الزكاة ،أو ما يعرف بالصدقة حيث إنه لغويا يتساوى اللفظان ولكن شرعيا مختلفان حيث الزكاة فرض، والصدقة سنة .
ولو نظرنا للزكاة أيام القدماء المصريين لوجدنا كلمة( ماعون ) وهي كلمة مصرية قديمة تتكون من (ماعو) أي صدقة ونون بمعني شعيرة دينية والتي ذكرت في القرآن أيضا
بسم الله الرحمن الرحيم
{ وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ } سورة الماعون الآية (7)
الحج :-
كان القدماء المصريون يقوم بالحج الي الكعبة التي بناها سيدنا إدريس ،وبعدما هدمت في طوفان سيدنا نوح كانوا يحجون الي أبيدوس في سوهاج ،وإذا نظرنا الي كلمة (الحجاز) التي يوجد بها الكعبة نجدها مكونة من مقطعين في اللغة المصرية القديمة (حج )و(أز) ومعني حج أي المتجه الي و(أز) أرض النور أي المتجه الي أرض النور حيث كان الحج هناك
وكلمة كعبة ذكرت في اللغة المصرية القديمة وتنطق ( كابا )
إذا المصريون القدماء كانوا موحدين بالله، ومؤدين فرائض الاسلام من صوم ،وصلاة، وزكاة وحج
ولكن ما الذي جاء بشبهة شركهم بالله عز وجل.
هذا هو الأهم ذكرت كلمة (نيتر) أو (نتر) وهي بمعني ملاك ،أو المتصل بالسماء ( المقدس )حيث كان قديما تتنزل الملائكة وتتجسد في صور مختلفة .
فقد تم ترجمة كلمة ملاك علي إنها إله ومع تعدد الملائكة فأصبحت العقيدة لدي المترجم أنه تعدد آلهة ولكنها في الحقيقة كانت رموز يتقربون بها الي الله الواحد الأحد وكانوا يتخذون رموزا لها علاقة بصفات الإله الواحد فمثلا رمز الشمس رمزية النور الرباني ورمزية الجعران لذاتية التواجد حيث يمكن للجعران أن يتوالد ذاتيا ورمزية الصقر للقوة والسيطرة ،وكلها مجرد رموز فقط لا غير ،ولكن عقيدتهم إنه هناك إله واحد أوجد كل المخلوقات ،ولم يوجده أحد فهو إله منزه قادر عليم سميع ،وبصير يحيط بكل شيء ،ولا شيء يقدر على احتوائه فلذلك أجتمع العلماء على أن القدماء المصريين كانوا موحدين .
كتبه الدكتور / أحمد أبوتليح
جمهورية مصر العربية
الحاصل على أوسكار المبدعين العرب في فرع المقال للعام 2024م