“التزييف العميق”… حين يصبح الذكاء الاصطناعي شريكًا في الجريمة
هل يمكن أن يُدان إنسان بناءً على دليل غير حقيقي؟
وهل بات القانون الجنائي عاجزًا عن ملاحقة جريمة لا تترك أثرًا ماديًا مباشرًا
أسئلة جوهرية بدأت تفرض نفسها مع الانتشار المتزايد لتقنية “التزييف العميق” (Deepfake)، والتي تتيح إنتاج محتوى مرئي أو صوتي يبدو حقيقيًا، رغم أنه ملفق بالكامل، إنها جريمة جديدة بأدوات غير تقليدية، تتطلب فلسفة قانونية متجددة ويناقش هذا التقرير الأبعاد القانونية لهذه الجريمة، ويقترح معالجات تشريعية لمواجهتها.
ما هو التزييف العميق؟
التزييف العميق اوما يُعرف بـ الـDeepfake هو استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، خاصة “التعلم العميق”، لإنتاج فيديوهات أو تسجيلات صوتية مزيفة تظهر أشخاصاً يقولون أو يفعلون أشياء لم يقوموا بها فعلاًK هذه التقنية تعتمد على تدريب خوارزميات على بيانات صوتية أو مرئية حقيقية، ثم إعادة تركيبها لتوليد محتوى مفبرك بجودة عالية.
ورغم طابعها الرقمي، إلا أن آثارها الواقعية بالغة الخطورة: من التشهير، إلى الابتزاز، إلى التأثير على سير العدالة.
ومن منظور جنائي، تقترب هذه الأفعال من جريمة التزوير المعنوي، ولكنها تتجاوزها بكونها تطمس الحقيقة البصرية ذاتها، وليس فقط مضمونها.
ما هي التهديدات القانونية والاجتماعية؟
في الفترة الأخيرة، شهد العالم عدة جرائم مرتبطة بالتزييف العميق، من بينها قضايا ابتزاز جنسي، وانتحال شخصيات لمسؤولين بارزين، بل وصل الأمر إلى استخدامه في نشر مقاطع سياسية مزيفة أثارت اضطرابات في الرأي العام.
ما هي إشكاليات الإثبات في جرائم التزييف العميق؟
أبرز ما يواجه هذه الجرائم هو صعوبة الإثبات الفني، فمن سيُقنع المحكمة أن التسجيل المقدم ليس حقيقيًا؟ وهل يمتلك القاضي أو النيابة الخلفية التقنية اللازمة لتقدير ذلك؟
تفتقر أغلب النظم القضائية حتى الآن إلى خبراء تقنيين معتمدين يمكنهم تحليل هذه الأدلة، مما قد يؤدي إلى ضياع حقوق أو صدور أحكام غير دقيقة.
فيما يلي استعراض موجز لكيفية تعامل بعض الأنظمة القانونية مع هذه الظاهرة؟
الولايات المتحدة الأمريكية
أقرت ولايات مثل كاليفورنيا وتكساس قوانين خاصة تحظر استخدام تقنية التزييف العميق لأغراض سياسية أو إباحية، لاسيما خلال الفترات الانتخابية.
كما يُمكن ملاحقة الجاني بموجب قوانين التشهير، أو قوانين حماية الحقوق الشخصية (Right of Publicity) إلا أن الإطار الفيدرالي العام لا يزال مفتقرًا لقانون شامل بشأن التزييف العميق.
الاتحاد الأوروبي
يتعامل الاتحاد الأوروبي مع محتوى التزييف العميق من خلال اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR)، باعتباره انتهاكًا للحق في الخصوصية والهوية.
كما تعمل المفوضية الأوروبية على تطوير تشريع خاص ضمن مشروع “قانون الذكاء الاصطناعي” (AI Act) لتقييد استخدام هذه التقنية في السياقات الأمنية والسياسية.
سنغافورة
اعتمدت سنغافورة قانونًا يُعرف باسم قانون الحماية من التضليل عبر الإنترنت والتلاعب (POFMA)، والذي يُتيح للسلطات إزالة أو حظر المحتوى المُضلل، بما في ذلك المقاطع المصنّفة كتزييف عميق، خاصة إذا تهدد السلم العام أو تُستخدم للإضرار بالأمن الوطني.
ألمانيا
تُطبق القوانين الألمانية قواعد صارمة على محتوى الإعلام الرقمي. ورغم عدم وجود نص خاص بالتزييف العميق، إلا أن قوانين التشهير، وانتهاك الصورة الشخصية، وخداع الجمهور، تُستخدم بشكل مكثف لمواجهة هذه الظاهرة.
ومن جانبنا ندعو المشرع المصرى الى لمواجهة هذه الظاهرة، ينبغي أن تتضمن التشريعات الجنائية الحديثة العناصر التالية:
تعريف دقيق للتزييف العميق كجريمة معلوماتية مركبة.
تجريم الإنتاج والنشر والتداول لأغراض خبيثة أو إجرامية.
وضع عقوبات متدرجة حسب طبيعة الجريمة (تشويه سمعة، تأثير سياسي، تضليل قضائي…)
إنشاء كيانات تقنية قضائية متخصصة في تحليل الأدلة الرقمية وتقديم المشورة للنيابات والمحاكم.
الاعتراف بالأدلة التقنية كحجج قانونية أمام القضاء، مع وضع معايير للتحقق منها.
الدكتورة/ إيمان العقدة_ دكتوراة في القانون الجنائي جامعة المنصورة