بقلم / محمد حسام ثابت .. الباحث في دراسات الإرهاب والتطرف
بينما تخوض الدولة المصرية معارك معقّدة ومتداخلة ضد الإرهاب والتضليل الإعلامي، تسعى منصات معادية إلى استغلال كل حادث عرضي أو أزمة خدمية لصياغة روايات زائفة تستهدف تقويض الثقة في الدولة. من حادث الطريق الدائري الإقليمي، مرورًا بحريق سنترال رمسيس، وصولًا إلى بيان وزارة الداخلية بتصفية خلية “حسم” الإرهابية، يتجلّى نمط دعائي ممنهج، تقوده كيانات إعلامية معادية تحوّل الألم الوطني إلى مادة للتحريض السياسي والتشكيك الأمني.
كيف يوظف الإعلام المعادي الحوادث العرضية؟
شهدت مصر خلال الأشهر الماضية عددًا من الأزمات غير الاعتيادية، أبرزها حادث الطريق الدائري الإقليمي الذي أودى بحياة عدد من المواطنين، وحريق سنترال رمسيس الذي أثار موجة من التفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي. وعلى الرغم من التعاطي الرسمي السريع مع هذه الأحداث، ظهرت حملات تشويه ممنهجة حاولت تصوير الدولة كعاجزة عن حماية مواطنيها، متجاهلة السياق الكامل، ومتعمدة تضخيم الفوضى وبث الخوف.
التغطية المنسقة لحادث الطريق الإقليمي.
ما وراء السردية المفبركة
تحول حادث الطريق الإقليمي بسرعة إلى مادة دسمة في إعلام معادٍ تجاهل تمامًا بيانات الجهات الرسمية التي أوضحت تفاصيل الحادث، واختار التركيز على مشاهد الدم والنار، مدعيًا تقاعس الدولة عن الإنقاذ أو تقديم الخدمات الطبية. لم يكن الهدف نقل الحقيقة، بل توظيف العاطفة في صور الضحايا، وبناء سردية سوداوية تُعزّز مناخ فقدان الثقة.
استغلال الحرائق لبث الذعر
سيناريو حريق سنترال رمسيس
مع اندلاع حريق سنترال رمسيس في 7 يوليو 2025، أطلقت المنصات المعادية حملةً ممنهجة زعمت خلالها أن الدولة تتعمّد إهمال البنية التحتية، وتخفي أعداد الضحايا، وتهدد حياة المواطنين. تجاهلت هذه المنصات تمامًا تقارير الدفاع المدني، وتحركات أجهزة الإنقاذ التي سيطرت على الحريق دون تسجيل خسائر بشرية تُذكر، وروّجت بدلًا من ذلك لروايات شعبوية تسعى إلى خلق حالة ذعر مفتعل وبث الفوضى.
بيان تصفية خلية “حسم”… انكشاف الوجوه الإعلامية
في 20 يوليو 2025، أعلنت وزارة الداخلية تصفية خلية إرهابية تابعة لحركة “حسم” بمنطقة أوسيم في الجيزة، كانت تخطط لتنفيذ عمليات إرهابية ضد منشآت حيوية. لكن البيان قوبل بحملة تشكيك مضادة من الإعلام المعادي، ركّزت على الترويج لمزاعم “الإعدامات خارج القانون”، باستخدام خطاب حقوقي انتقائي، رغم ثبوت الانتماء التنظيمي للعناصر. هذا النهج المتكرر يُكرّس سردية أن الدولة “تفتعل المواجهات” لتصفية معارضيها، في محاولة لطمس الطابع الإرهابي الحقيقي للحركات المسلحة.
تصعيد دعائي يستهدف الثقة المجتمعية
يُعيد إنتاج سرديات الاختراق والتعذيب عبر خطاب تمرد وهمي اقتحام أمن الدولة
في واقعة مفبركة تم تداولها يوم 25 يوليو الجاري، ظهر مقطع فيديو مزيف تحت عنوان “اقتحام أمن الدولة بالمعصرة”، في تصعيد دعائي ممنهج تقوده اللجان الإلكترونية الموالية لجماعة الإخوان الإرهابية، ضمن حملة تستهدف مؤسسات الدولة عبر فبركة محتوى مرئي يُوظف عاطفيًا بحجة التضامن مع غزة.
ورغم نفي وزارة الداخلية القاطع وتأكيدها فبركة المقطع، سعت هذه اللجان إلى استغلاله كأداة إعلامية لإثارة الرأي العام، مدفوعة بتنسيق استخباراتي مكشوف. وكشفت تحليلات فنية موثقة تناقضات جوهرية في التصوير، تؤكد أن الفيديو جرى إنتاجه داخل بيئة معدة مسبقًا لمحاكاة مقار أمنية، وهو ما يفضح نمطًا من التضليل البصري يهدف إلى تشويه صورة الأجهزة السيادية، وبث حالة من البلبلة داخليًا وخارجيًا. تزامن ذلك مع تداول مقاطع لمحاصرة سفارات مصرية بالخارج، في محاولة لخلق انطباع بوجود تحرك شعبي واسع، بما يعكس حالة توظيف منظم للفوضى الرقمية والسرديات البديلة.
دمج المظلومية بالعنف … استراتيجية دعائية معقدة
تعتمد الكيانات الإعلامية المعادية على استراتيجية دعائية مركبة تجمع بين إبراز المظلومية الإنسانية وتبرير العنف. فتارةً تبكي على ضحايا الحوادث كأنهم شهداء الإهمال، وتارةً تفتح المجال لضيوف يدْعون إلى التمرّد المدني، تحت ذريعة “الرد على القمع”. هذا الأسلوب المزدوج يسعى لكسب تعاطف الرأي العام المحلي والدولي، وتحويل كل حادث عرضي إلى أداة للتهييج السياسي وإرباك الدولة.
تجاهل الإنجازات… دعاية سوداء ممنهجة
من المفارقات اللافتة أن هذه المنصات تتجاهل بالكامل الإنجازات التي تحقّقها الدولة المصرية في مواجهة الأزمات، مثل سرعة الاستجابة للحوادث، أو تطوير البنية التحتية، أو تفكيك الخلايا الإرهابية قبل تحرّكها. تتعمّد هذه الوسائل فرض تعتيم تام على النجاحات، وتُظهر مصر كما لو كانت على حافة الانهيار، في إطار حملة دعاية سوداء ممنهجة تخدم أهدافًا سياسية محددة.
من الشائعات إلى الذكاء الاصطناعي العاطفي… معركة الوعي ليست ثانوية
بين الشائعات المصنعة والمقاطع المفبركة والإنتاج الاحترافي عالي الجودة، تتحرك الغرف الإعلامية المعادية ضمن استراتيجية أكبر تستهدف صورة الدولة وبنية وعي المواطن. تتوسع أدوات التأثير اليوم لتشمل حملات قائمة على الذكاء الاصطناعي العاطفي، تخلق سرديات مقنعة ظاهرها التعاطف وباطنها التحريض، ما يجعل معركة الوعي ركيزة أساسية في منظومة الأمن القومي المصري، وليست مجرد معركة ثانوية.
المواطن… شريك في معركة الوعي
لم يعد المواطن المصري مجرد متلقٍ سلبي، بل بات طرفًا محوريًا في معركة الوعي؛ فالمعركة اليوم ليست فقط “أمنية”، بل هي بالأساس معركة وعي وذاكرة وثقة؛ وهذا يتطلب تعزيز ثقافة التحقق الذاتي من المواطن من مصادر الأخبار؛ ودعم الإعلام الوطني القائم على الشفافية والسرعة والاحتراف؛ تقوية العلاقة بين المواطن والدولة عبر الثقة في المؤسسات ونزاهة الخطاب.
المعركة مستمرة… والدفاع يبدأ من الداخل
ما تواجهه مصر من حملات إعلامية معادية لا يختلف عن التحديات العسكرية أو الأمنية، بل يتكامل معها في جبهة موازية تستهدف روح الدولة، ومعنويات المجتمع. وبقدر ما نملك من مؤسسات صلبة، نحتاج إلى وعي جماعي صلب يميز الحقيقة من الفبركة، ويدافع عن الدولة من الداخل قبل الخارج.