يقدمها : حسنى ميلاد
قصة دخول اليهود الى مصر ومن هو فرعون الخروج ” 2″
فى كتاب نظره عامة على “تاريخ المسيحية في مصر ” الذى اهدتني إياه الصديقة أمانى لطيف مدير دار الثقافة المسيحيه اخترت ان أعرض الجزء الخاص عن دخول اليهود الى مصر وخروجهم ومن هو فرعون الخروج وقصة الترجمة السبعينية للكتاب المقدس .
يقول الدكتور القس مايكل باركر مؤلف الكتاب
أتي اليهود أولاً إلى مصر في القرن السادس قبل الميلاد وقت السبي البابلي، وفى العصر الهلنستي ايضا دخل البلاد عدد من اليهود واستقروا فى مصر السفلى. ويقول يوسيفوس المؤرخ اليهودي الذي عاش في القرن الأول، إن الإسكندر الأكبر أدخل اليهود ليجعل الإسكندرية مأهولة. إلا أن المؤرخ الحديث ثيودور هول بارتريك Theodore Hall Partrick يرجح أن هذه الموجة الثانية حدثت في عهد بطليموس الأول ويقول فيلون Philo، وهو فيلسوف يهودي عاش في الإسكندرية في القرن الأول الميلادي تعداد اليهود في الإسكندرية بلغ مليون نسمة. إلا أن المؤرخين في العصر الحديث يرون أن هذا الرقم مبالغ فيه. وقد سمح لليهود في مصر بامتلاك الأراضي، وممارسة الزراعة، وإنتاج الأشغال اليدوية والعمل بالتجارة، والخدمة في الحكومة. وكانوا يتمتعون بالحكم الذاتي في مجال الدين، وسمح لهم
بإرسال أموال إلى وطنهم لتسديد ضريبة الهيكل.
ونحو سنة ٣٥٠ ق.م. في الإسكندرية، تُرجم الكتاب المقدس العبري إلى اليونانية، واصطلح على تسمية هذه النسخة باسم «السبعينية». واسمها الكامل هو ترجمة السبعين» e of the Seventy، وغالبًا ما يشار إليها في اللغات اللاتينية الأصل برقم ٧٠ الروماني (LXX) على سبيل الاختصار ويشير اسمها إلى قصة أسطورية مفادها أن بطليموس الثاني تولى الإنفاق على ترجمة التوراة اليهودي “أسفار موسى الخمسة” وأوكل المهمة إلى سبعين يهوديا إسكندريا قام كل منهم بالترجمة على حده ومع ذلك أنتجوا سبعين ترجمة متطابقة تماما.
وقد وجد في العالم القديم سبع نسخ يونانية أخرى من الكتاب المقدس العبري، لكنها فقدت جميعا ولما كانت اليونانية العامية المختلطة Koime Greek هي لغة التواصل التي سادت شرق المتوسط آنذاك، أصبحت الترجمة السبعينية هي نسخة الكتاب المقدس الذي استخدمه الرسل والكيسة الأولى.
شعب إسرائيل فى مصر
فرار عائلة يعقوب من كنعان إلى مصر في فترة مجاعة أمر مقبول منطقيا تماما ومن المعروف جيدا أن الساميين (الآسيويين سكنوا في منطقة دلتا مصر في فترة مبكرة منذ زمن الدولة القديمة (۲٦۸٦ – ۲۱۸۱ ق.م) واستمروا يفدون على هذه المنطقة بأعداد غفيرة حتى عصر الاضمحلال الثاني (١٧٨٦ – ١٥٦٧ ق.م) والحقيقة أن المصريين شعروا بالتهديد الشديد من جانب هؤلاء الساميين الدخلاء حتى إنهم أنشأوا خط دفاع عسكريا وقناة في عصر الدولة الوسطى ليمنعوهم من الدخول إلى البلاد. ووصول بيت يعقوب إلى مصر فيما بين القرنين التاسع عشر والسادس عشر قبل الميلاد وهي الفترة التي تعتبر تقليديا زمن الآباء “إبراهيم وإسحاق ويعقوب ” يتفق تمامًا مع ما هو معروف عن السياق التاريخي لذلك الزمن.
وصعود شخص سامي مثل يوسف إلى السلطة السياسية مقبول منطقيا، بل إنه حَدَث بالفعل في واقعة واحدة على الأقل فهناك شخص سامي يُدعى أبرل Aperel شَغَلَ منصب وزير في عصر الدولة الحديثة. وفي هذه الآونة غزا الهكسوس مصر وسيطروا على منطقة كبيرة من مصر العليا، وهم شعب آسيوي، وسامي على الأرجح، وقد حكموا مِنْ ١٧٨٦ إلى ١٥٦٧ ق.م وتظهر تفاصيل قصة يوسف في التكوين أنها حدثت في إطار مصري حقيقي، وتبين دقة التفاصيل المحددة أن القصة ليست اختراعا جاء في عصر متأخر
فمثلاً الثمن الذي دفع في يوسف عندما بيع عبدًا كان عشرين من الفضة (تك ۳۷ ۲۸)، ويتفق هذا الثمن مع ما هو معروف عن الألفية الثانية لكن في القرن الخامس، الذي يُرجع نقاد المصادر أن القصة كُتِبَتْ فيه، ارتفع متوسط سعر العبد إلى ما بين خمسين وستين من الفضة لكن السعر الأرخص الوارد في سفر التكوين يعطي مصداقية للافتراض القائل بأن الرواية كتبت في فترة أسبق. وهو ما يتبين أيضًا من بعض الأدلة الأخرى غير المباشرة. فمثلاً كان يوسف وكيلا» على بيت فوطيفار (تك ٤:٣٩). والكلمة العبرية التي تعني «مراقب»، أو حرفيا «على بيته»، المستخدمة هنا هي «عل بيته»، التي يُرجح أن تكون ترجمة للكلمة المصرية hry-pr.
وفي أواخرالدولة الوسطى، كان الآسيويون الذين يعملون في ممتلكات خاصة يُعرفون بهذا اللقب. وكذلك يدعى السحرة المصريون مفسري الأحلام» تك ٤١: ۸، ۱۲ (۱۳) والكلمة العبرية المستخدمة لهذا الوصف
هي «خرطومي» hartummi، وهي كلمة مصرية الأصل والكثير من الساميين الذي سكنوا منطقة الدلتا في عصر الدولة الحديثة أتوا مِنْ كنعان أو سوريا بعد أن انهزموا في الحرب وأخذوا إلى مصر عبيدًا يُسَخَّرون للعمل في المشروعات المختلفة. وكان وزير المـلك تحتمس الثالث وأمنحوتب الثاني ( حكما في القرن الخامس عشر قبل الميلاد) يُدعى رخميرع، وقد دُفِنَ داخل مقبرة في طيبة. ويُظهر أحد نقوش المقبرة عبيدا سوريين ونوبيين يصنعون الطوب اللبن لبناء مخزن فى معبد الكرنك ومن المحتمل أنهم عبيد إسرائيليون يعملون في جاسان ويدلل عدد من النصوص في هذه الـفترة على استخدام الفراعنة للعبيد في صناعة الطوب اللبن لمختلف مشروعات البناء. ويبين خروج 1: 11 أنَّ إسرائيل كانوا في فيثوم ورعمسيس المعروفة باسم بر رمسيس . ، أي “بيت رمسيس” والمعروف الآن أنها كانت تقع في قرية قنتير التابعة لمركز فاقوس في محافظة الشرقية، بالقرب من أفاريس
ويقول راوي سفر الخروج «ثُمَّ قام مَلِك جديد على مصر لم يكن يعرف يوسف» (خر ۱: ۸). ويُرجح هوفماير أن هذا الملك الجديد هو أحمس الأول الذي بدأ عصر الدولة الحديثة وأسس الأسرة الثامنة عشرة ونجح في طرد الهكسوس من منطقة دلتا مصر. ولا يُحتمل أن أحمس الأول الذي حكم مصر العليا من طيبة كان ليتذكر وزيرا عبرانيا كان في خدمة احد حكام الهكسوس فى مصر السفلى علاوة على ذلك ان كان العبرانيون يصنفون ساميين مثل الهكسوس فمن الطبيعى ان يهشاهم النظام الحاكم الجديد فى مصر على اعتبار انهم قد يشكلون طابورا خامسا فى محاولة من الهكسوس لاستعادة السلطة فهذا التهديد مع حاجه الفراعنه الى عبيد يعملون فى مشروعاتهم البناءية كان وراء استعباد بنى إسرائيل.
وقد أطلق رمسيس الثانى (۱۲۷۹-۱۲۱۳) مشروع بناء ضخم في بر رمسيس الشمال في حكومي ومعابد ،ومحاريب ومخازن والعديد من الأبنية الأخرى وكان هذا القصر يقع فى افاريس التي كانت فيما سبق عاصمة الهكسوس. وبناء هذا المجمع الملوكي الضخم كان من شأنه ان يبقى القوى العاملة الإسرائيلية مشغولة لسنوات.
إلا أنه ليس من إجماع حاليا بين المتخصصين في الدراسات الكتابية حول تاريخ الخروج فالبعض تبعا لما وَرَدَ في 1 ملوك ١٦ الذي يعتبر أن الخروج تم قبل السنة الرابعة لملك سليمان بأربعمئة وثمانين سنة أو أربعمئة وأربعين سنة)، يقولون بأن تاريخ الخروج هو ١٤٤٥ ق.م. إلا أن علماء الآثار غالبًا ما يُفَضّلون تاريخ ١٢٦٧ ق.م الذي يتفق مع الأدلة المادية على غزو كنعان الذي يُعتقد أنه حَدَثَ بعد الخروج بنحو أربعين سنة (۱۲۳۰-۱۲۲۰). ويضع هذا الرأي أيضًا حَدَث الخروج في عصر رمسيس الثاني (۱۲۱۳-۱۲۷۹)، وهو الفرعون التقليدي لقصة الخروج.
لكن إن كان المقصود أن يقبل خروج بني إسرائيل على أنه حدث تاريخي، فلماذا اسم الفرعون غير معروف ، فلو كنا نعرف اسم الفرعون، لما لجأنا إلى كل هذه التخمينات في محاولة لتحديد تواريخ الأحداث المذكورة، يقول هوفماير إن المصريين في عصر الدولة الحديثة لم يذكروا عموما أسماء أعدائهم في وثائقهم التي كانوا يسجلون فيها الأحداث التاريخية. وكان القصد من ذلك التعبير عن الاحتقار وكان أعداءهم لا يستحقون حتى أن يذكروا بالاسم، ومن المحتمل أن الأمر كان له مضامين سحرية معنى أن عدم ذكر الاسم يعادل تدمير العدو، وأخيراً، غالبا ما كان المصريون يمحون الأسماء من الآثار أو النقوش التاريخية، وهو ما كان طريقة لتحريف التاريخ وتحديد من يستحق التخليد. ويُرجح هوفماير أن بني إسرائيل، في روايتهم لقصة هزيمتهم للفرعون، أفسدوا هذا الأسلوب على المصريين وقلبوه ضدهم. ورغم أن عدم معرفتنا لاسم الفرعون يُصعب تاريخ الخروج أو فهم الإطار التاريخي المحدد الذي وقع فيه، ففي نهاية القصة لا يمكن للقارئ أن يراوده أدنى شك في اسم يهوه أو عظمته وهذا هو مغزى القصة برمتها.
وقصة وضع الطفل موسى على صفحة نهر النيل داخل سقط من البردي تتشابه مع قصص أخرى في منطقة الشرق الأوسط في هذه الحقبة، خاصة أسطورة سرجون ملك أكاد وبينما يرى البعض قصة موسى مبنية على قصة سرجون يرفض الكثير من المؤرخين هذا الموقف نظرًا للاختلافات العديدة بين القصتين. وأيضا تدور قصة موسى في سياق مصري دون أدنى شك. والمصطلحات العبرية المستخدمة في القصة بمعنى «سفط» (tebat)، «بردي» (gome)، «حلفاء» (sipt)، «نهر» (itrw)، «حافة» أو «صفة» (sapah) مشتقة من كلمات مصرية. واسم موسى نفسه مشتق من الكلمة المصرية msi التي كانت أحد الأسماء الشائعة في عصر الدولة الحديثة. وأخيراً، ما ترويه القصة عن أن موسى تعلم في بلاط فرعون يمكن الاستغناء عنه باعتباره إضافة تجميلية أو أسطورية فيما عدا الحقيقة المعروفة بشأن أنه في عصر الدولة الحديثة كان الأمراء الأجانب يتعلمون غالبًا في بلاط الفرعون بحيث إنه بعد موت آبائهم يمكن للفرعون استبدالهم بحكام متعلمين تعليما مصريا.