أتذكر فى ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضى عندما كانت تحدث حالة وفاة كان الجيران والاقارب يحرصون على حضور الجنازة والعزاء ليلاً بالسرادق المقام عند منزل المتوفى. وكان الجار أو القريب يتغيب عن عمله من أجل الجنازة . وإذا كان يوجد محال لأنشطة مختلفة بالشارع الذى به حالة الوفاة كان أصحابها يغلقونها مؤازرة لأهل المتوفى.
وفى سرادق العزاء كان الحضور يستمعون للمقرىء .
والجيران لو احدهم تصادف لديه مناسبة فرح سبق الاتفاق عليه يؤجل الى ما بعد الأربعين ( مرور ٤٠ يوماً على الوفاة) ويحرص الجيران على عدم تشغيل الراديو والتلفزيون أو تشغيلها بصوت منخفض لا يسمعة الجيران أو تشغيل القرأن بصوت واضح ويستمروا على هذا الحال حتى الأربعين ( مرور ٤٠ يوماً)
أما أهل المتوفى فلا يتم تشغيل الراديو أو التليفزيون لمدة عام ويغطى التليفزيون بقماشة وأحياناً يتم تشغيل الراديو للاستماع للقرأن. والشباب والكبار من أهل المتوفى لا يحلقون لحيتهم إلا بعد الأربعين.
والنساء ترتدى ملابس سوداء لمدة عام وربما تطول . والرجال ترتدى كرافت سوداء بعد الوفاة وحتى الأربعين لتعريف من لايعرف عند مقابلتهم مصادفة بأن لديه حالة وفاة وان كان ذلك لم يعد معمول به فى السبعينيات.
وتمضى السنين وتتغير الأحوال حيث تكررت مشاهدة فى مناطق مختلفة فى تسعينيات القرن الماضى فأشاهد سرادق عزاء وفى نفس الشارع يوجد سرادق فرح . وأصبح كثيرين لا يهتمون بحضور الجنازات بحجة عدم معرفتهم أو صعوبة الحصول على اجازة من العمل. ولم يعد أحدا يهتم بغلق التليفزيون أو الراديو.
وأصبحت سرادقات العزاء عبارة عن مكان للتلاقى بين أشخاص حالت ظروف الحياة عدم تقابلهم. واغلبهم لايستمعون للمقرىء وتجد من يتحدث مع أخر أو أكثر طوال تواجدهم بالسرادق وتجد تبادل الكروت الشخصيه فى هذه السرادقات ومن يهتمون بالذهاب لسرادقات يأتيها مسئولين أو شخصيات مهمة ومع الاقتصاد الحر قرأنا بصحف معارضة عن مبالغ مالية تقدم لمسئول مقابل حضورة لتقديم عزاء لرجل أعمال طرح نهر وفى حالة الحضور لفرح فالمبلغ يرتفع. ومن زيارة المسئول للعزاء أو الفرح يحقق رجل الأعمال مآرب أخرى تفوق مادفعة للمسئول.بالاضافة للتباهى أمام المتواجدين.
كما ظهرت بدعة فى الكثير من سرادقات العزاء ودور المناسبات بوضع لافتة كرتونية بجانب مقعد فى مكان بارز مكتوب عليها بخط واضح خاص بمندوب رئيس الجمهورية ( لتقديم واجب العزاء) وكثيراً مايظل هذا الكرسى خالياً حتى إنتهاء العزاء.
وبعض السرادقات يخصص سرادق صغير مزود بمقاعد فخمة وهذا السرادق خاص بكبار الشخصيات وأمام ذلك فلا عجب عندما نجد مصورين يحملون كاميرات فيديو على أكتافهم ويقومون بتصوير المعزين أثناء جلوسهم أو عند المغادرة .
أما مشاطرات المسئولين التى لديهم حالة وفاة و التى تنشر بجريدة الأهرام على وجه الخصوص فتجد أصحاب الأعمال والمصالح يسارعون بالنشر وعلى مساحات بين الكبيرة والصغيرة وعندما يترك المسئول موقعة وتحدث عنده حالة وفاة فمن النادر أن تجد أحد أصحاب المصالح ينشر له مشاطرة عزاء.
وفى ظل هذه الأجواء تصادف أن أذهب لتقديم واجب عزاء بدار ملحق بمسجد رابعة العدوية قبل ٢٠١١ وقد لاحظت عدم وجود مقرىء وقد تأكد لى ما توقعته وهو عدم تقبل أصحاب العزاء أن يتحدث المعزين فيما بينهم أثناء تلاوة القرأن. وهم فى ذلك محقين.

