هكذا عرفته بذات الاسم مجردا من لقب أو كنية إلا عبدالسلام وقهوة عبدالسلام.. ومنذ ثلاث سنوات كانت هذه الصورة معه وقد صار عجوزا وصرت أنا فى عداد كبار السن، ومارأيته قبلها طوال خمسة وأربعين عاما مذ كنت فى ريعان الشباب وهو رجل يعانق الرجولة ويودع الشباب، وما ان رأيته حتى أهديته نسخة من كتابى الأول «أوراق العمر الأخضر»، وكيف لا وهو صاحب بعض ذكرياتى بالكتاب.
ويعلم كثير من أهل قريتى أنه كان يعمل بالمقهى القبلى الوحيد تقريباوقتها بالقرية قبل أن تدخل الكهرباء ومعها أجهزة التلفاز إلى الدور منتصف سبعينيات القرن الماضى وبالتحديد عام 1976.وكان المقهى أو قهوة عبدالسلام منتدى أهل القرية ممن لاتشغلهم الأرض ولاينخرطون فى عداد الزراع،لكنهم فلاحون بحكم الانتماء للقرية وبحكم وجود أرض زراعية لدى كل عائلات القرية،باختصار كان مقهى عبدالسلام ملتقى ومنتدى الأفندية والشباب للقاء والتسلية بلعب الكوتشينة أو الطاولة أو الدومينو، والجميع يتمتعون فيه بمشاهدة التليفزيون خاصة المباريات والأفلام وأحيانا حلقات مسلسل الثامنة مساء وقد كان إلى ذلك الحين المسلسل الوحيد الذى يذيعه التليفزيون على قناته الأولى، التى لم يكن ينافسها سوى القناة الثانية فقط، وقد كانتا القناتين الوحيدتين بالتليفزيون العربى كما كان يسمى وقتها التليفزيون المصرى وبإرسال ينتهى منتصف الليل، وكثبرا ما كنت أذهب تحت حماية عمى وأستاذى الراحل محمود الخولى رحمه الله، لأصاحبه وصحبه العظماء من معلمى القرية ممن ربوا أجيالا عديدة مازالت نحمل لهم كل الاحترام والامتنان والاعتراف بالفضل تربية وتعليما وتهذيبا للسلوك وتنمية للقدرات وامتزاجا حميما فى الفصول والأفنية وحتى فى الشوارع إذا ماجمعتنا الظروف بأحدهم وفى البيوت أيضا متزاورين أو متلقين لدرس رمزى النقود عظيم الفائدة والقيمة بذات الفريق المتفرد فى تاريخ التعليم بالقرية.
كنت بصحبتهم متمتعا وبذهابى للمقهى مرفها عن بقية أبناء عمومتى أدنو لأقرب مسافة من الكبار وأتسلى بمتابعتهم ومناقشاتهم تجاه قضية تشغلهم أو حتى حكايات إنسانيةيسردونها لبعضهم البعض، أو متابعة مايذاع وقتها من مواد بالتليفزيون قبل أن أعود نهاية السهرة قبل عودة عمى رحمه الله آويا إلى الدار مع بقية أبناء العمومة ومعى شحنة معنوية عالية.
وما أكثر ماشهد هذا المقهى من ذكريات ممتعة، وكان عبدالسلام صاحب السهم الأوفى والنصيب الأكبر فى معرفة كل رواد المقهى به وهم يتبادلون استدعاءه ليلبى لهم مطالبهم من مشاريب أو أدوات تسلية، وبين قفشات وضحكات وحكايات متبادلة وهمهمات وتفاعلات مع لعبة موهوبة للخطيب أو حسن شحاتة فى مباراة ساخنة تثير القفشات الجماهيرية اللذيذة بين مشجعى القطبين الكرويين فى غير ماتعصب ولا أحقاد ولا ألفاظ خارجة، أو فيلم شهير يثير ذكرى لدى البعض أو فى آخر السهرة حفل غنائى من حفلات الربيع بأسماء من عيار عبدالحليم حافظ وفريد الأطرش وشادية وفايزة أحمد.
الحاج عبدالسلام كما عرفته عبدالسلام فى مقتبل رجولته وقابلته شيخا فى خريف العمر هو جزء من ماضى قريتى يمتد ممتزجا بذكريا من عايشوا تلك الفترة لقرابة نصف قرن فات وتلك ذكرياتى معه ومع القهوة لاتنسى بشخوصها وأحداثها وتفاصيلها المحفورة فى الوجدان.