فاطمة عبدالواسع
في ظل التحول الرقمي العالمي الذي يعيد تشكيل منظومة التعليم في القرن الحادي والعشرين، يظل ملف تعليم الكبار ومحو الأمية من أهم القضايا المرتبطة بالتنمية الشاملة وبناء الإنسان المصري القادر على مواكبة العصر.
وفي هذا الإطار، طرح الدكتور رضا حجازي، رئيس جامعة الريادة ووزير التربية والتعليم والتعليم الفني السابق، رؤية شاملة حول الذكاء الاصطناعي وتعليم الكبار، مؤكدًا أن التقدم التكنولوجي يفقد معناه إذا لم يُسخَّر لتمكين الإنسان معرفيًا ومهاريًا.
الأمية.. قضية وعي وتنمية مجتمعية
أوضح الدكتور حجازي أن الأمية لم تعد مجرد عجز عن القراءة والكتابة، بل أصبحت قضية وعي وتمكين ومشاركة مجتمعية، داعيًا إلى التعامل معها كظاهرة اجتماعية واقتصادية وليست تعليمية فقط.
وأشار إلى أن الاتجاهات الحديثة في محو الأمية ترتكز على المقاربة التنموية التي تربط التعليم بخفض الفقر، وتمكين المرأة، وخلق فرص عمل منتجة.
وقال: “حين تتحول برامج محو الأمية إلى مشروعات للتنمية البشرية، يصبح التعليم أداة للتغيير الاجتماعي لا مجرد تلقين للحروف.”
من محو الأمية إلى القرائية من أجل الحياة
أوضح رئيس جامعة الريادة أن الرؤية الحديثة تتجاوز مفهوم محو الأمية الأبجدية إلى ما يُعرف بـ القرائية من أجل الحياة، وهي القدرة على استخدام القراءة والكتابة لاكتساب مهارات حياتية واجتماعية واقتصادية تمكّن الفرد من مواجهة تحديات الحياة.
وتقوم هذه الرؤية على قيم أساسية تشمل الوعي، والتمكين، والتغيير الاجتماعي، والتنمية المستدامة.
أنماط جديدة من الأمية في العصر الرقمي
بيّن الدكتور حجازي أن مفهوم الأمية تطوّر ليشمل أشكالًا متعددة، منها:
• الأمية الوظيفية: ضعف القدرة على تطبيق القراءة والكتابة في المواقف اليومية.
• الأمية الرقمية: صعوبة التعامل مع التكنولوجيا الحديثة.
• الأمية الحضارية: العجز عن مواكبة تطورات العصر.
• الأميات التخصصية: مثل الأمية الصحية والثقافية والبيئية والإعلامية.
وأشار إلى أن الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة كبيرة لمعالجة هذه الأنواع من الأمية من خلال التعليم الذكي والتعلّم التفاعلي المخصص الذي يراعي احتياجات كل دارس وقدراته.
تحديات المنطقة العربية
أكد حجازي أن معدلات الأمية في المنطقة العربية ما زالت مرتفعة مقارنة بالمتوسط العالمي، رغم ما تحقق من جهود.
وأرجع ذلك إلى ضعف الحوكمة التعليمية، والاعتماد على مؤشرات كمية دون التركيز على الجودة، بجانب غياب مسارات التعلم مدى الحياة وضعف التنسيق بين الجهات المعنية.
وقال: “القضاء على الأمية لن يتحقق إلا من خلال شراكات وطنية قوية تدمج التعليم بالتنمية والإنتاج، وتوفر نظم تعلم مرنة تتيح فرص التعلم المستمر للجميع.”
المنهجية السريعة والكلمات المحورية
تحدث الدكتور حجازي عن نموذج المنهجية السريعة في تعليم الكبار، التي تسهم في تسريع عملية التعلم وزيادة التفاعل وتحقيق نتائج ملموسة في وقت أقل.
كما استعرض مفهوم الكلمات المحورية الدوّارة، وهي الكلمات التي ينتجها الدارس بنفسه من خلال الحوار حول صور أو أمثال أو مواقف حياتية، مؤكدًا أنها تسهم في تسريع التعلم لأنها نابعة من بيئته ومألوفة لديه.
الذكاء الاصطناعي.. رافعة لتعليم الكبار
أكد رئيس جامعة الريادة أن الذكاء الاصطناعي أصبح أحد أهم الأدوات القادرة على إحداث نقلة نوعية في تعليم الكبار، من خلال تصميم مناهج ذكية تراعي الفروق الفردية وتقدّم محتوى متكيّف مع قدرات المتعلمين.
وأوضح أن الذكاء الاصطناعي لا يحل محل المعلم، بل يعزز دوره ويمنح التعليم بعدًا إنسانيًا أعمق عبر التحليل الذكي للبيانات وتخصيص المسارات التعليمية.
رؤية استشرافية لمستقبل تعليم الكبار
وفي رؤيته المستقبلية، دعا الدكتور حجازي إلى تبنّي نموذج متكامل يدمج التكنولوجيا بالسياسات التعليمية الحديثة، قائم على ما يلي:
المجال التوجهات المستقبلية
الأهداف تمكين الأفراد من ممارسة حقوقهم والمشاركة المجتمعية الفاعلة.
الدارسون اكتساب مهارات القراءة والكتابة والرقمية والحياتية.
المعلمون تأهيل مهني حديث، وتنمية المهارات الرقمية والاتصالية، واستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي.
المناهج تنويع البرامج (مواطنة – بيئة – ريادة أعمال) ودمج التطبيقات الذكية في التعلم.
السياسات مجانية التعليم، الاعتراف بالتعليم غير النظامي، مطابقة المؤهلات.
التمويل شراكات بين القطاعين العام والخاص لدعم برامج تعليم الكبار.
نحو مجتمع بلا أمية
اختتم الدكتور رضا حجازي حديثه مؤكدًا أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون نقطة تحول نحو مجتمع بلا أمية، إذا تم توظيفه لخدمة الإنسان وتنمية قدراته.
واستشهد بقول مارك زوكربيرج:
“الذكاء الاصطناعي سيمكّن البشر من تحقيق ما كان يبدو مستحيلًا، لكنه يعتمد على كيفية استخدامنا له.”
وأضاف أن التحدي الحقيقي لا يكمن في امتلاك التكنولوجيا، بل في تسخيرها لرفع الوعي وتمكين الإنسان وبناء مجتمع متعلم قادر على الإبداع والإنتاج.
