أمس، وفي خطابِه عقب إعلان إسرائيل عدوانها البربري الغاشم على إيران، خرج علينا ترامب في لغةٍ غلبتْه فيها مفرداتُها، لغة يملؤها الحقد الدفين، والغلّ الذي لا حدّ له تجاه دول الحضارة عامةً، وتجاه إسلامنا خاصة، عندما هدد أنه لن يبقى هناك شيءٌ مما كان يسمى بالإمبراطورية الإيرانية. لغة تقطع بمكنون صدور هؤلاء تجاهنا جميعًا، لا إيران وحدها، بُغية تركيعنا وإذلالنا طالبين عفوهم وغفرانهم وصفحهم، وبقايا فضلاتهم، وفتاتهم. ففي الوقت الذي لا يدع فيه ترامب مناسبةً ولا كلمةً له حتى يُلحّ ويؤكد دون مللٍ منه أو كللٍ على قوة أمريكا القاهرة نراه، وفي لغةٍ حاقدةٍ، يتهكم ويسخر من إحدى أعظم حضارات الدنيا، وأبعدها تاريخًا وأثرًا وتأثيرًا في التاريخ الإنساني، وإحدى قوتين كانت عليهما الدنيا يومًا ما، الفرس والروم.
عقب أحداث 11 سبتمبر 2001م، وتحديدًا يوم 16 سبتمبر، عندما أعلن بوش حربه على بلادنا سمّاها صراحة بالحرب الصليبية. واليوم يتهكم ترامب صراحةً من حضارة الفرس كإمبراطورية كانت ملء السمع والبصر؛ لنكون أمام أناس لديهم ثأر عدائي، وحقد بعيد، مع دولنا الراسخة في التاريخ. لذا، ذهبتُ في مقالةٍ لي منذ سنوات بعنوان (بلقيس) إلى أنه لم تكن صدفة ألبتة استهداف دول الحضارة والتاريخ، العراق وسوريا واليمن وفلسطين، وحتى مصر في محاولاتٍ بائسةٍ يائسة.
غير أنه لا عجب من لصوصٍ أقاموا كياناتِهم على دماء أصحاب الأرض والسكان الأصليين في المكسيك وفلسطين. ستبقى دول الحضارة بصمودها وتاريخها سياطًا تلهب ظهور هؤلاء اللصوص، وتذكرهم دائمًا أبدًا أنهم -ورغم علوّهم وطغيانهم- لصوصٌ سفلةٌ لا أصل لهم. لذا، تفضحهم دومًا، ورغمًا عنهم، ألسنتهم.