تُتقن ( العقلية ) الاسرائيلية، فن ( صناعة الخطر ) الخارجي ، الذي يوفر لها دعم الجبهة الداخلية ، وتعاطف الرأي العام العالمي ، الذي تسيطر باذرعها اليهودية على ( مفاصله وتفاصيله ) الرئيسية ، عبر ثلاثية ( العلم والاقتصاد والاعلام ) وبما يخدم مشروعها العقائدي والسياسي ، الهادف الى السيطرة على منطقة الشرق الاوسط بمجملها ، سياسيا واقتصاديا وعسكريا وأمنيا .
وانطلاقا من معرفة استراتيجية اسرائيل القائمة على ( تناسل الازمات ) عبر معالجة واحدة هنا ، وخلق أُخرى هناك ،، يُدرك المتابع للمواقف السياسية ، والتحركات العسكرية ، والإجراءات الامنية والتصريحات الاعلامية الصادرة عنها ،خلال الفترة الماضية، ان هناك ( تحرًش ) اسرائيلي ( اعلامي وسياسي وامني ) واضح في كل من مصر والاردن ، زادت وتيرته تدريجيا بعد الحرب الاسرائيلية ضد ايران ، مما يعني ان تل ابيب لديها ( اجندة ) مبرمجة مسبقا ، وتسعى الى تنفيذها، وفقا لجدول زمني ، وبحسب تطورات المشهد الاقليمي.
الاستهداف الاسرائيلي ، لكل من عمان
والقاهرة اخذ اشكالاً مختلفة ، وصورا متباينه ، لكنه في النتيجة يصب في بوتقة واحدة ، تهدف الى ( صناعة خطر ) قادم من البلدين العربيين المجاورين ، وان عليها الاستعداد له منذ الان وعلى مختلف المستويات وفي جميع المجالات.
خلال الايام الماضية، تُرجم الموقف الاسرائيلي السلبي من الاردن، في عدة احداث اولها الزعم بان الشرطة الاسرائيلية ضبطت اسلحة مهربة من الاردن الى اسرائيل ، واتبعت ذلك بقرار لحشد فرقة ( جلعاد ٩٦ ) على الحدود مع الاردن ، واجراء مناورة عسكرية واسعة النطاق هي الأولى من نوعها ، بحجة التحضير والاستعداد لاية مخاطر ( ايرانية ) قادمة من الحدود الشرقية.
ولم تقف الرسائل السلبية الاسرائيلية تجاه الاردن عند هذا الحد ، بل تُترجم كل يوم من خلال احراج الاردن فيما يخص الوصاية الهاشمية على المقدسات ، ومحاولة تقويض دوره التاريخي فيها.
ولا يمكن ان نغفل الاجراءات الاسرائيلية ، الهادفة لضم الضفة الغربية ، وجعل حياة اهلها لا تطاق ، تميهدا لتفريغ الارض من اهلها وتهجيرهم صوب الاردن على اعتبار انه الوجهة الجغرافية الوحيدة المتاحة امامهم، مع ان الاردن عبر اكثر من مرة عن انه سيتعامل مع هذا الامر باعتباره ( اعلان حرب ).
المواقف السلبية ( الاسرائيلة واخواتها ) ضد مصر ، لا تقل خطورة عن ما يجري تجاه الاردن ، بل انها تأخذ اشكالا متعددة ومديات مختلفة ، لتحقيق ذات الهدف ، المتمثل بان هناك خطرا مصريا على اسرائيل ، ولا بد من التحذير منه تمهيدا لمواجهته في حال وقوعه.
ان من يتابع ما يُنشر في الصحافة الاسرائيلية ، ويقرأ تقارير مراكز الدراسات والابحاث ، ويستمع لتصريحات بعض المسؤولين الاسرائيليين ، يتيقن بلا شك ، ان هناك استهدافا مباشرا لمصر ، وان العمل مستمر لتشكيل رأي عام داخلي ودولي ، بشأن خطورة تطور تسليح الجيش المصري وتنامي قوته ، والتشكيك في نوايا انتشاره ونشاطاته ومنشآته في سيناء .
واللافت ان المواقف الاسرائيلية ضد مصر تزامنت مع امرين يجب التوقف عند دوافعهما وغاياتهما ، الاول تأجيل تسليم القاهرة ، جزء من قرض البنك الدولي المتفق عليه مسبقا ، لمدة ستة اشهر ،، والثاني التهديدات التي أصدرتها منظمة ( حسم ) المصنفة ارهابية ، والتي لم يُسمع صوتها منذ سنوات طويلة ، حيث اعلنت نيتها استئناف العمل في الداخل المصري.
السؤال الذهبي هو ، لماذا تستهدف اسرائيل الاردن ومصر ، رغم انها ترتبط معهما باتفاقيتي سلام ؟ والجواب المنطقي هو ان اسرائيل لن تنسى لكل من عمان والقاهرة ، انهما البلدان اللذان احبطا فعلا لا قولا – لغاية الان – عملية ( التهجير ) التي كانت تستهدف مواطني غزة ثم الضفة الغربية، تمهيدا لانهاء القضية الفلسطينية برمتها.
ويجب ان لا نتجاهل ان تل ابيب و واشنطن،، لن تغفرا للبلدين موقفهما الصلب ، الذي كسًر مجاديف ، كل من ترامب ونتنياهو ، وكان ( حجر العثرة ) الفعلي امام تنفيذ ( مخططهما الشيطاني ) انطلاقا من غزة ، والبدء عمليا في رسم ملامح الشرق الاوسط الجديد ، الذي ستكون تل ابيب هي المهيمنة عليه والشريكة الامنية والاقتصادية مع جميع دوله.
وبناء على ذلك ، فان علينا ان لا نستبعد في مقبل الايام ، حدوث اية مفاجآت ، ويجب ان نستعد لاسوأ الاحتمالات ، التي ليس بالضرورة ان نشهدها غدا ، مع ان التحضير لها في تل ابيب قد انطلق منذ الامس البعيد، ولذلك يجب ( الحذر ، الحذر ) لان وصول اسرائيل الى تحقيق اهدافها النهائية وغاياتها الخبيثة يتطلب منها بذل ( جهد استثنائي) من الخداع والتآمر والتجسس وبناء التحالفات وترتيب الاصطفافات..ويتطلب منا مزيدا من ( الوعي ) الرسمي والنخبوي والشعبي ، تجاه خطورة ما يُحاك ضدنا من مؤامرات ، وتعزيز التعاون العربي – العربي.
• كاتب واعلامي اردني
theeb100@yahoo.com