د. الهادي أبوضفائر يكتب:حين يصبح الملاذ موتاً .. مسجد الفاشر شهادة الدم على هشاشة الضمير الدولي!

admin2023admin2023 20, سبتمبر 2025 17:09:49

بقلوبٍ يعتصرها الألم وإيمانٍ راسخ بقضاء الله وقدره، ننعى إلى الشعب السوداني والأمة الإسلامية شهداء مسجد الفاشر من المدنيين الأبرياء، أرواحاً طاهرة صعدت ظلماً وعدواناً في جريمةٍ تمزّق وجدان الإنسانية قبل أن تخرق القوانين.

في قلب الفاشر، وبين جدران مسجدٍ شُيّد ليكون موئلاً للسكينة وملاذاً للطمأنينة، انقلبت لحظة الأمن إلى هولٍ لا يُحتمل. فقد اغتيل المصلّون في محرابهم، وسُحقت براءتهم تحت وطأة العنف الأعمى لمليشياتٍ تجاوزت كل حدود الإنسانية، وحوّلت أقدس أماكن العبادة إلى مسرحٍ للرعب والخراب. لم تكن تلك الرصاصة ضد أفراد فحسب، بل كانت طعنة غادرة في الضمير الجمعي، وانتهاكاً فادحاً لكل الأعراف والقوانين التي وُضعت لحماية الأبرياء وصون الكرامة الإنسانية. إنها مأساةٌ تستدعي الحزن، كما تستصرخ الضمير العالمي ألّا يكتفي بالصمت أمام هذا الجرح المفتوح في جسد الفاشر، بل أن يتحمّل مسؤوليته الأخلاقية والتاريخية.

ليست مجرد مأساة عابرة، بل مرآة لهشاشة الحياة في مناطق الحصار والنسيان، حيث تصبح الإنسانية نفسها عرضة للتدمير بلا رقيب. كل جدارٍ منهار، وكل دمٍ مسفوح، وكل صرخة لم تُسمع، تروي قصة مجتمع فقد فيه المدنيون حقهم في الأمان والعيش الكريم، ويصبح الصمت الدولي جزءاً من المأساة، بدل أن يكون حماية ودرعاً.

ما جرى في مسجد الفاشر جريمة لا تُغتفر، مأساة كتبتها المليشيا حين حولت بيت العبادة إلى مسرح للعنف، وجعلت الأرواح البريئة أهدافاً عشوائية لآلة قتلٍ عمياء. المدنيون الذين قصدوا المسجد طلباً للأمان، وجدوا أنفسهم رهائن لوحشية لا صلة لها بالسياسة أو التاريخ، بل صراعٍ أعمى مع جوهر الإنسانية نفسها. سُلب حق الحياة، وتحوّل الدم إلى أرقام باردة في سجلات العنف، بينما بقيت قلوب أهل الفاشر ترتجف تحت حصار الخوف، تعيش على ما تجود به الأرض من خيرات الخريف والإمباز. أما العالم، فمضى في صمته، مكتفياً ببياناتٍ جوفاء لا تُعيد روحاً ولا تمنح لحظة أمان. هكذا انكشف العنف في صورته العارية. إرادة قتلٍ بلا مبرر، ووصمة سوداء على جبين عصرٍ متخاذل.

المجتمع الدولي ما زال صامتاً، مكتفياً ببياناتٍ باردة لا تُسمن ولا تُغني من جوع، يراقب الفاجعة من بعيد ويترك الأرواح البريئة وحدها في مواجهة العنف والتشريد والحرمان. هذا السكوت أو بالأحرى هذا التخاذل لا يفعل سوى أن يمد في عمر الجريمة، ويحوّل الحماية الدولية إلى وهمٍ أجوف. الدماء المسفوحة في مسجد الفاشر صامتة، لكنها لن تُمحى من الذاكرة، لقد غدت رمزاً للانتهاك والظلم، وفي الوقت نفسه دعوة للتأمل: كيف نبني دولة تحمي المدنيين وتعيد للمدن كرامتها، وتستعيد الثقة بين المواطن والدولة، وبين الإنسان وأخيه الإنسان؟.

إن هذا النعي ليس مجرد حزن، بل صرخة للعدالة، ونداء بأن يتحول الضمير العالمي من الاستنكار إلى الفعل. فكل صمتٍ مشاركة، وكل تأجيلٍ خيانة، وكل دمٍ بريء يُراق هو شاهد صارخ على أن المواثيق وحدها لا تصنع حماية، بل الفعل الإنساني المسؤول هو ما يُنقذ الأوطان من أن تُكتب سيرتها بالدم وحده.

نسأل الله العلي القدير أن يتغمدهم برحمته الواسعة، وأن يغفر لهم ويعفو عنهم، ويكرم نزلهم، ويوسّع مدخلهم، ويجعل قبورهم روضةً من رياض الجنة، وأن يجزيهم عن صبرهم وعذابهم خير الجزاء. كما نسأله سبحانه أن يُلهمنا الصبر والسلوان، وأن يحفظ ما تبقّى من أهلنا في الفاشر وسائر السودان من كل سوء، وأن يأخذ الظالمين أخذ عزيز مقتدر، ويقتصّ للمظلومين بقدرته وعدله.
إنا لله وإنا إليه راجعون.
abudafair@hotmail.com


#أرواحاً طاهرة صعدت ظلماً وعدواناً في جريمةٍ تمزّق وجدان الإنسانية قبل أن تخرق القوانين. #العالم الآن الإخبارى alalamalan #العالم الآن. قناة العالم #بقلوبٍ يعتصرها الألم وإيمانٍ راسخ بقضاء الله وقدره #د. الهادي أبوضفائر يكتب:حين يصبح الملاذ موتاً .. مسجد الفاشر شهادة الدم على هشاشة الضمير الدولي! #ننعى إلى الشعب السوداني والأمة الإسلامية شهداء مسجد الفاشر من المدنيين الأبرياء

اخبار مرتبطة