د. أحمد كمال يكتب: حوار مع متردد الفهم

العالم الآنالعالم الآن 2, أكتوبر 2025 18:10:09

كنت فى إحدى المقاهى بالقاهرة مع زميل، لأجد أحد الزبائن فتجاذبنا أطراف الحديث. وقبل الكلام ألقى عباءه الكلمات قائلاً:

“أتحدث إليك وأنا أحتسى نوعاً من الخمور أحضرتها معى، ولا أحد يعلم، لأنه وضع مشروب الشعير دون الكحل أمامه”.

المهم، ومن العجيب أن تجد المقاهى المصرية يثار فيها جميع الحوارات والأسرار المجتمعية والسياسية وغيرها. فكان الحديث عن الله.

بدأ وقال:

“الله خلقنا وعارف كل حاجة، إزاى بقى منا كافر ومنا مسلم، وجنة ونار وشيطان عمال يغوينا؟ دا ظلم!”

فقلت:

“ارجع عن جدلك الداخلى، بل أنت خوارزميات الفهم عندك محتاجة معالجة. أقول: خلق الله آدم وآدم من تراب. والعميق فى الأمر الإلهى أن الله خلقه وأمر الجميع بالسجود له. أهو إله؟ أكيد لا. نحن نلتف حول الكعبة ونُقبّل الحجر الأسود. أهي عبادة للحجر أم لرب الحجر؟ والسجود لآدم طاعة لله فقط، وقد تكبّر إبليس، فهذه هى المفارقة، لم يطع”.

قال:

“أنا لا أقصد هذا، إنه يعلم كل شيء، يقصد الله”.

فقلت:

“نعم، وتيقّنت أن هذا هو الإشكال عندنا جميعاً. أفصل بين أسمائه التى تعبر عنه: الله العليم، والله القدير، والله الخبير. فكيف يرزقك؟ وكيف تجد هذه الصراعات الكونية والحروب والقتل؟ خلقنا لنعبده. فماذا لو خلقنا ولا يعلم عنا شيئاً؟”.

فاستطرد:

“فكيف أدخل الجنة ومفتاحها لا إله إلا الله، وآخر يعيش حياة كاملة كافر ولا يدخل الجنة؟ والله أعلم”.

فقلت:

“هى جنتك أنت؟!”

فضحك.

قلت:

“ماذا لو طردك صاحب القهوة الآن – ولله المثل الأعلى – أو جعل شرطاً: لا يشرب الخمرة من يقعد هنا؟ طيب، رب العباد سايبك وأنت بتعصيه الآن!”.

الجميع اشترك فى الحوار. فقلت:

“الإشكالية يا حضرات أن الله أشهدنا ونحن فى العدم على وحدانيته. وأن أبونا آدم كان فى الجنة فعصى، فتاب الله عليه ونزل إلى الأرض. نحن خُلقنا للجنة، والدنيا ما هى إلا اختبار. نأتى لها جميعاً عُرايا، ويحدد أمرنا من الله: إما كافر أو مؤمن. ويرزق الكافر والمؤمن، وجعل الأنبياء، وجعل بعضنا لبعض ناصحين بكلمة التوحيد. يجب الفصل فى أعماق فهمنا بين أسماء الله الحسنى المعبرة عنه. يعلم أنك تعصى، لكنه يتركك ويفرح بتوبتك إذا أتيت. ويفتح باب التوبة حتى الغرغرة أو طلوع الشمس من المغرب”.

فقال أحد ممن يسمعنا :

“ما هى إلا دنيا اختبار”.

قلت:

“نعم، وأن حياتنا الدائمة مع أبينا آدم فى الجنة. الجزاء من جنس العمل. وأفضل أن تفكّر بعقلك بين أن الله يعلم سقوط ورقة الشجر وحبة المطر، وأنه يسقطها وهو مسبب الأسباب لتكون الحياة بهذا الشكل. الاختبار يشمل الجميع، المسلم والكافر. المسلم إن مات على الكفر دخل النار. الدين عند الله الإسلام، والقرآن يحوى إجابات كثيرة تريح العقل والقلب وتبعدك عن وساوس النفس والشيطان”.

فأسرع قائلاً:

“أهذا عدل؟ نفس يلهمها فجورها وتقواها، وشيطان ومغريات، كل هذا يفعله ويعلمه!”.

فقلت:

“الاختبار يشمل الجميع أى مدرسة وأى كلية تدخلها دون اختبار ولن تدخل الاختبار ولا التكليف يطلب منك فى دنيا الاختبار الا بعد البلوغ  وأعطاك الادوات وبعث الرسل يعلموك وانزل الوحى وجعل لك علامات تتفكر فيها مثل ابو الانبياء ابراهيم وترك لك معجزة القرآن بينا الان و لا فضل لعربى على أعجمى إلا بالتقوى. من قدرته وقوته لا يُسأل عن شيء وهم يُسألون. أى أرض تُقلك وأى سماء تُظلك وأنت لا ترضى بحكمه أو لا تفهم حكمته من وجودك أو خلقه لك أو تعترض على الدنيا ولا تعلم أنها اختبار ؟!إذن  فأين تذهب؟ والله ما هى إلا اختبار، وأكبر دليل عليها هو الموت. أخفاه عن الجميع. إذن لن ينفعك إلا التوحيد. وأظن أن جميعنا مررنا بمرحلة التعمق فى الأفكار”.

فكان الحوار ممتعاً مع متردد الفهم.

إيميل الكاتب:

kemoadwia@yahoo.com


#د. أحمد كمال يكتب #د. أحمد كمال يكتب: حوار مع متردد الفهم

اخبار مرتبطة