العالم الآن 
لم يكن الزواج يومًا معضلة كما هو الآن. قبل سنوات قليلة، كان التراحم والبساطة يجمعان الناس. كانت الأفراح هادئة، تشارك فيها الحارة كلها، يحملون العفش البسيط، وتكون الفرحة أهم من المظاهر. صينية الحنّة تدور بين البيوت، والناس يهنئون ويفرحون. فرعان من الكهرباء باللمبات الملوّنة، وبوكيه ورد كبير وراء كرسيي العريس والعروسة، وكراسٍ من الخيزران، وزجاجة “حاجة ساقعة”.. هو ذاك الفرح في جميع الشوارع.
ثم وصلنا الآن إلى “فرح” بنكهة نزيف أموال، فيما الاحتياجات في بيت الزوجية قليلة، والأصل أن تكون العائلتان متوافقتين، وأن يكون الاثنان “شاريين بعض”.
ثم جاء عصر التكنولوجيا السريع، وسيطرت المظاهر والتباهي. صارت المقاييس مالية أولًا، والتكاليف ترتفع بلا توقف، حتى بات الشاب الخريج مطالبًا بمبالغ خيالية – ربما مليون جنيه أو أكثر – قبل أن يفكر حتى في الشقة أو التجهيزات الأساسية. ارتفعت معدلات المعيشة، ومعها تضاعفت متطلبات الزواج، ومع تراكم التعقيدات أصبح الزواج غاية في الصعوبة.
أعجبتني بعض المبادرات في بعض القرى لإلغاء الذهب أو تقليل متطلبات الزواج، لكن دور الجمعيات الأهلية، والأزهر، وكل مؤسسات المجتمع، يجب أن يكون أقوى. نحن بحاجة إلى حملات توعية واسعة، تُذكّر الناس بأن الزواج ميثاق رحمة، لا ساحة للتفاخر.
كثير من الزيجات القديمة، التي لم تُكتب فيها قوائم طويلة ولم تُطلب فيها كماليات مرهقة، كانت أهنأ وأطول عمرًا. فهل يرضى الآباء أن يبقى أبناؤهم وبناتهم بلا زواج، محرومين من حقهم الطبيعي في تكوين أسرة؟! والله أعلم بمدى الانحرافات الداخلية التي قد يصل إليها هؤلاء الشباب والفتيات، بسبب التعنّت في الطلبات، أو التقليد الأعمى لمظاهر مزيفة، أو غياب التوعية من الآباء والأمهات بأن ما يرونه على مواقع التواصل لا يبني بيوتًا قائمة على الحب والود.
الشباب والفتيات يحتاج بعضهم إلى بعض، والمجتمع بحاجة إليهم أسوياء نفسيًا، مستقرين، منتجين، لا مثقلين بالديون ولا مضطرين إلى الانحراف. علينا جميعًا أن نتكاتف: رجالًا ونساءً، آباءً وأمهاتٍ، مؤسساتٍ وأفرادًا، لتيسير الزواج بالتركيز على الأساسيات التي تضمن استمرار الحياة، والابتعاد عن التفاخر والبهرجة، وترك محاولات استغلال الشباب تحت مسميات اجتماعية لا معنى لها.
فلنعد إلى جوهر الزواج، إلى البساطة والرحمة، قبل أن يتحول حلم الاستقرار إلى كابوس، وقبل أن يصبح الزواج فعلًا مهمة مستحيلة.