لقد ابتليت المملكة المصرية بأول احتلال لأراضيها من قبل الهكسوس ، وذلك منذ تأسيس، وتوحيد المملكة المصرية علي يد الملك نارمر ( مينا ) موحد القطرين . ولقد أختلف المؤرخون، والباحثون . هل الهكسوس هجموا على البوابة الشرقية من مصر ؟ واحتلوا شمال البلاد في حين غفلة عند ضعف الاسرة الرابعة عشر . أم الرأي الأخر وهو الأكثر رجاحة بأنهم جُلِبُوا كعمال من دول شرق مصر للعمل في البناء والزراعة وخلافه؛ وعندما وجدوا العيش الرغد وعلى مدار مئات السنين جاءت أسرهم وأقربائهم وكونوا جماعات . وحاولوا الاندماج مع المصريين ،ولكن المصريون نبذوهم ورفضوا الانصهار معهم فأصبحت هناك مناطق خاصة بالهكسوس ومناطق منعزلة للمصريين . وما يثبت تلك الفرضية وجود هياكل عظمية بصفات مختلفة جينيا متجاورة جغرافيا ،ومختلفة جينيا، ووجدوا حضارتين مختلفتين بجوار بعضهما في ذات التوقيت . فانتهزوا ضعف الدولة كما سبق وذكرنا فأعلنوا الاستقلال عن مصر، وتوسعوا حتى وصل ملكهم إلى قوص بأسيوط جنوبا ودلتا مصر وسيناء شرق مصر . والذى يؤكد ذلك إحدى الدراسات البريطانية التي وجدت أسنان تنتمي إلى الجنس الهكسوسي وذلك باستخدام المناظرة بتاريخ يسبق تاريخ إقامة دولة الهكسوس بمئات السنيين .مما يرجح تلك الفرضية . ولكن ينبري لنا السؤال الأهم وهو .
من هم الهكسوس وما هي أصولهم ؟
لقد أجمع كل العلماء العرب ، والأجانب أن الهكسوس من قبائل وجنسيات متفرقة من دول غرب آسيا ( شمال الجزيرة العربية والعراق وسوريا والأردن وفلسطين ولبنان ) ولكنهم وقعوا جميعا تحت ظروف بيئية قاسية أو غزوات حربية من شعوب هضبة أرمينيا .جعلتهم يهاجروا إلى شرق مصر واستوطنوا بها . ومعظمهم ينتسب إلى العرق الآرامي وبعضهم من العبرانيين والكنعانيين .
وينتسبون إلى جنس العماليق وكلمة عماليق هنا لا تعني بالآرامية ضخام الجسم كما يتوارد إلى ذهنك . ولكنها تتكون من مقطعين ( عامو) و ( ليق) وتنطق عمليق Amalek
أو عماليق .
وعامو تعني البدو، وقد تكون نسبة إلى العموريين أي الشعوب التي تعيش في البدو وكلمة ليق أي جندي فتصبح
كلمة عماليق أي (الجنود البدو) ولقد سكنوا مناطق شمال الجزيرة العربية ومنطقة شرق آسيا . ومنهم قوم سيدنا ابراهيم وسيدنا يعقوب حيث جاء ذكرهم في القرآن
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ وَرَفَعَ أَبَوَيۡهِ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ وَخَرُّواْ لَهُۥ سُجَّدٗاۖ وَقَالَ يَٰٓأَبَتِ هَٰذَا تَأۡوِيلُ رُءۡيَٰيَ مِن قَبۡلُ قَدۡ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّٗاۖ وَقَدۡ أَحۡسَنَ بِيٓ إِذۡ أَخۡرَجَنِي مِنَ ٱلسِّجۡنِ وَجَآءَ بِكُم مِّنَ ٱلۡبَدۡوِ مِنۢ بَعۡدِ أَن نَّزَغَ ٱلشَّيۡطَٰنُ بَيۡنِي وَبَيۡنَ إِخۡوَتِيٓۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٞ لِّمَا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ ﴾ سورة يوسف الآية (100)
وظل الاحتلال الهكسوسي فترة تقارب 150 الى 200 عام
وصل عددهم حكامهم إلى 81 حاكم تقريبا مقسمين الى ثلاثة أسر وهم الاسرة 14 والاسرة 15 والاسرة 16 كما ذكرهم المؤرخ مانيتون السمنودي في كتابه إيجيبتانا .
ولكن من أين جاءت كلمة الهكسوس ؟
لم يعرف المصريون القدماء كلمة هكسوس ولم تذكر عندهم بل كان يطلقون عليهم ( حيقا – خاسوت ) ومعناها الملوك الأجانب وفيما بعد أصبحت تطلق على عامة الشعب وجاء الإغريق ونطقوها ( هيكا – سوس ) ثم أصبحت هكسوس .
ولقد أرسل أخر ملوكهم( أبوفيس ) رسالة استفزازية إلى الملك (سقنن رع ) ملك المصريين في الجنوب( طيبة ) الأقصر الآن . يطالبه فيها بإسكات فرس النهر فإنها تزعجه وأن يغير ديانته الأمونية إلى عبادة سوخيت معبود الهكسوس . فجيش سقنن رع الجيوش لمحاربة الهكسوس ولكنه ونظرا للتقدم الحربي لدى الهكسوس؛ من حيث المعدات كالعجلة الحربية ،والفأس والسيوف المقوسة . فَمُنِىَ سقنن رع بالهزيمة ، ومات في المعارك . وتظهر إحدى الدراسات على مومياء سقنن رع مدى التعذيب الذي تعرض له قبل موته؛ حيث يوجد آثار قيود في يديه ،وجثته زرقاء علاوة على أثر ضربات الفؤوس والرماح في رأسه مما ترك ثلاث فتحات في جمجمة الملك سقنن رع . وتولي أبنه ( كاموس ) الحكم وعمره ستة عشر عام فأعاد تنظيم الجيش، وعاد لمهاجمة الهكسوس؛ فحرر بعض من الأراضي تمتد من قوص بأسيوط جنوبا حتى أطفيح بالقرب من حلوان شمالا ولكن مات الملك كاموس في ظروف غامضة ،ويقول بعضهم مات متأثرا بجراحه الكثيرة في أرض المعركة (ولا يوجد له مومياء حتى الأن ). فتولى بعده أخاه الأصغر ( أحمس )- ومعناه أبن القمر – الحكم وعنده عشرة أعوام وفي العام الخامس عشر نظم الحملات العسكرية لمواصلة ما بدأه والده وأخاه والأخذ بالثأر لهما وتحرير بلاده .
وكان كل ذلك بتحفيز من زوجة سقنن رع و والدة كاموس و أحمس وكانت تسمي ( إياح حتب ) و والدتها الملكة ( تيتي شيري ) أم سقنن رع وجدة الملك أحمس . وبينما كان الملك أحمس يواصل حملاته لتطهير البلاد من الاحتلال البغيض . وقع أحد جواسيس الهكسوس في الصحراء الشرقية وهو يحمل رسالة إلى ملك كوش مفادها الآتي ( يا ملك كوش العظيمة لقد حانت فرصتك لمهاجمة مصر من الجنوب فأنهم مشغولون بمحاربتنا في الشمال وعندما تقع أرض مصر تحت سيطرتنا سنقسمها فيما بيننا بالتساوي )
وتلك الرسالة كانت من ملك الهكسوس إلى ملك الكوشيين جنوب مصر وهى أرض النوبة جنوب مصر وشمال السودان
ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن ؛فتم قتل الجاسوس قبل أن يصل إلى الكوشيين وتم تأمين المنطقة الشرقية ؛حتى لا تتكرر مثل تلك المراسلات . حتى وصل أحمس إلى عاصمة الهكسوس في أفاريس وتنطق أواريس وهى تل الضبعة حاليا بالقرب من الزقازيق بمحافظة الشرقية . وتم مطاردة الهكسوس حتى قلعة (شاروهين ) وهى الواقعة بين غزة و رفح الأن، وتم محاصرتهم وهزيمتهم ففروا مهزومين إلى أرض فينيقيا شمالا وقام أحمس بهدم قلاعهم وكل أثر تركوه لمحو وصمة العار التي أصابت مصر في فترة ضعفها، وكان ذلك عام 1850ق.م
وكل تلك الأحداث مسجلة في برديات (سالييه )و (لاكو ) و(كارنافون ) كما وجدت مسجلة على جدار أثنين من قبور قادة الحرب وكلاهما يدعى أحمس ) كما تحدث الدكتور / سليم حسن في موسوعته عن تلك المرحلة .
ولم يكتفي بذلك أحمس بل ذهب جنوبا ليؤدب الكوشيين وتم تحرير أراضي النوبة حتى الجندل الثاني ،وضمها لحدود مصر ولقد استعادت الأمة المصرية هيبتها بعدما تم دحر القوى الغاشمة من الجانبين الشمال الشرقي والجنوبي ومن ثم توجه لتعمير البلاد، وتحسين أحوالها مؤسسا بذلك الأسرة الثامنة عشر و بداية الدولة الحديثة . حتى جاء الملك رمسيس الثاني وتوسع في ملكه حتى الجندل الرابع جنوبا ودولة الفينيقيين شمالا ونهر الفرات شرقا
كتبه أحمد أبوتليح