درونز الحرب… جيوش بلا جنود وساحات بلا رحمة!

admin2023admin2023 17, يونيو 2025 14:06:58

في زمنٍ تتغير فيه خرائطُ الصراع، لم تعد الحروب كما عرفناها. اختفت الخنادق، خفت صوت الرصاص، ولم نعد بحاجة إلى جيوش جرّارة، بل إلى طائرات صغيرة تحلّق عاليًا، وتحسم المعركة بضغطة زر!

نحن نعيش عصر “درونز الحرب”… حيث المقاتل لا يحمل سلاحًا تقليديًا، بل جهاز تحكم عن بُعد، يُدير به المعركة من خلف الشاشة!

الدرونز: التكنولوجيا تقتحم ميدان المعركة

الطائرات بدون طيار، أو ما يُعرف بـ”الدرونز”، لم تعد مجرد أدوات مراقبة كما كانت في بدايتها، بل أصبحت من أبرز مكونات الحروب الحديثة.

تقوم بمهام دقيقة، كاستهداف مواقع أو تتبع أفراد، وتتفوق في قدرتها على تنفيذ عمليات كانت تتطلب سابقًا مجهودًا بشريًا كبيرًا.

هذه التكنولوجيا قلبت موازين القوة، فلم يعد من الضروري المخاطرة بجنود على الأرض، بل أصبحت “الضربة القاتلة” تأتي من السماء بصمت وبدقة متناهية.

أبعاد اقتصادية واجتماعية… تستحق التوقف عندها

من الناحية الاقتصادية، قللت الدرونز من كلفة إرسال الجنود والمعدات، ووفّرت وسائل تنفيذ دقيقة بأقل الموارد. لكنها في المقابل، فتحت الباب أمام سباق تسلّح تكنولوجي جديد، جعل صناعة الحرب أكثر ارتباطًا بشركات التقنية، لا بجيوش الدول وحدها.

أما من الناحية الاجتماعية، فإن هذا النمط من الحروب يخلق حالة من القلق النفسي لدى المجتمعات التي تشعر أنها معرضة للاستهداف دون إنذار أو حماية كافية، وهو ما يؤثر على مفهوم الأمن المجتمعي ذاته، ويُغذي مشاعر الفزع والتوجس حتى في أوقات السلم الظاهري.

 

القانون الدولي والتحدي التكنولوجي

رغم أن القانون الدولي الإنساني يضع قواعد صارمة لتنظيم العمليات العسكرية – خاصة فيما يتعلق بحماية المدنيين وتحديد الأهداف المشروعة – إلا أن التكنولوجيا الحديثة، ومنها الدرونز، تطرح تحديات كبيرة أمام هذه القواعد.

وتظل مسألة تحديد المسؤولية القانونية في حال وقوع أضرار أو أخطاء أحد أبرز الإشكاليات المطروحة، خاصة حين يتم استخدام هذه الطائرات عن بُعد، وعبر أنظمة معقدة قد يصعب تتبعها أو التدقيق في استخدامها.

فهل نعيش زمن الحروب غير المشروعة بغطاء تكنولوجي؟

مع تصاعد الاعتماد على الدرونز، يثور سؤال قانوني وأخلاقي بالغ الأهمية: من يُحاسب إذا استهدفت طائرة دون طيار مدنيين عن طريق الخطأ؟

هل المسؤول هو المبرمج؟ القائد العسكري؟ أم الدولة المالكة للتقنية؟

إننا أمام فراغ تشريعي دولي في مواجهة هذا النوع من الأسلحة، فرغم أن “اتفاقيات جنيف” تُعنى بحماية المدنيين زمن النزاعات، فإنها لم تُصغ أساسًا للتعامل مع آلات تقاتل دون طيار بشري مباشر.

هنا تبرز الحاجة إلى تجديد قواعد القانون الدولي، وخلق آليات رقابة تكنولوجية قانونية، تضمن ألا تكون الحرب أداةً بلا ضابط أو حساب.

خاتمة: بين الغد والتقنية… أين تقف الإنسانية؟

طائرات الدرونز ليست مجرد تطور عسكري، بل انعكاس لتحول عميق في طبيعة الحرب الحديثة.

ومع كل ضغطة زر تنطلق من غرفة عمليات، تبقى الحاجة قائمة لصوت العقل والقانون، الذي يضمن أن تظل التكنولوجيا في خدمة الإنسان، لا في خصومته.

 

بقلم: د. إيمان العقدة

دكتوراه بقسم القانون الجنائي كليه حقوق جامعة المنصورة



اخبار مرتبطة