خبير أمن قومي: أوطان محتلة بعروش من ورق

admin2023admin2023 11, مايو 2025 18:05:45

كشف المستشار الدكتور طارق منصور، خبير استراتيجيات الحرب والأمن القومي، عن قواعد “لعبة العروش” الحديثة ومقاعدها في “نادي الرضا الصهيوني”.

ففي كل منعطف حاد من التاريخ العربي والأفريقي الحديث، يظهر بوضوح ظلّ غربي يتحرك في الخفاء، يدفع بحاكم ويُبعد آخر، يرسم خرائط السلطة كما تُرسم حدود الدول. من الشرق الأوسط إلى أعماق إفريقيا، نحن أمام “استعمار ناعم” لا يحتاج إلى جيوش ولا حروب صلبة، بل إلى وكلاء يرتدون الزيّ الوطني. فقد أعاد الغرب تشكيل السلطة على مقاس مصالحه، فالحكام مجرد “مدراء محليين” للمصالح الأمريكية وحلفائها.

صناعة الحاكم (الوكيل الوطني)

الغرب، لا سيما الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، لم يتوقف يومًا عن التدخل في الشأن العربي والأفريقي. فبعد الحرب العالمية الثانية وانهيار الاستعمار الكلاسيكي، انتقل إلى نمط أكثر تعقيدًا: دعم النخب السياسية والعسكرية التي تضمن حماية المصالح الغربية، من النفط مرورًا بمكافحة “التمرد”، واحتواء الصين وروسيا، وصولًا إلى تحقيق أمن إسرائيل.

تحقيق أمن إسرائيل والتقارب السري

أصبحت تل أبيب حجر الزاوية في كل معادلات الغرب المتعلقة بالشرق الأوسط. لم يعد ولاء الحاكم العربي كافيًا، بل صار يُقاس بمدى انسجامه مع “أمن إسرائيل”، حتى لو كان ذلك على حساب شعبه. فعلاقات التطبيع لم تعد خيارًا سياديًا، بل مطلبًا ضمنيًا للقبول الدولي. هناك تطبيع معلن وآخر غير معلن بصفة رسمية، ومن لا يرضخ، يُحاصر أو يُسقط أو يُهمَّش.

لذلك، شهدنا في العقود الأخيرة اندفاعًا من بعض الأنظمة نحو التعاون الأمني والاستخباراتي مع إسرائيل، تحت لافتات مثل “مواجهة إيران” أو “محاربة الإرهاب”، بينما الهدف الحقيقي هو حجز مقعد في نادي الرضا الأمريكي – الإسرائيلي. وهو ما يعكس ضغطًا غربيًا ناعمًا نحو إعادة تشكيل خريطة التحالفات.

آليات التدخل والتعيين

1. الدعم العسكري والاستخباراتي:

يتم تمكين شخصيات عسكرية موالية من خلال تدريبها في أكاديميات غربية، ثم تمهيد الطريق لها للوصول إلى السلطة عبر انقلابات، أو ثورات مدعومة، أو تحولات “ناعمة”.

2. صناعة الزعامات في المنافي:

يُجنَّد أحيانًا معارضون مقيمون في الغرب وتُلمّع صورتهم إعلاميًا، ثم يُعاد تقديمهم كـ”منقذين” بعد سقوط أنظمة قائمة.

3. الهندسة الدستورية والانتخابية:

يُفرض أو يُدعم نظام سياسي لا يسمح إلا بفوز من يخدم المصالح الغربية، سواء عبر الضغوط الدبلوماسية أو التمويل المباشر وغير المباشر.

أدوات الهيمنة الناعمة

تُثبّت الأنظمة الموالية من خلال أدوات متشابكة: صفقات تسليح، دعم اقتصادي مشروط، وشرعية دولية تُمنح وتُسحب بحسب الحاجة. كما تُستخدم وسائل الإعلام العالمية لتلميع صورة “الزعيم المعتدل” وتشويه صورة “المعارض المتطرف”.

حتى في حالات الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان، يغض الغرب الطرف ما دامت المصالح مضمونة. وهذا ما يفسر ازدواجية المعايير في التعامل مع دول الخليج مقارنة بدول أخرى ذات سيادة

أمثلة بارزة

إيران 1953: إسقاط حكومة محمد مصدق المنتخبة ديمقراطيًا، وإعادة الشاه بدعم بريطاني أمريكي.

دول الخليج: علاقات متينة تستند إلى ضمان أمن العروش مقابل الولاء الاستراتيجي للغرب. القاعدة واضحة: النفط مقابل الحماية، والولاء مقابل البقاء. فالثروات والتاج تحت العباءة الأمريكية. ورغم القوة المالية لهذه الدول، لم تُعتمد جيوش وطنية مستقلة، بل جرى الاعتماد على المظلة العسكرية الغربية، من قواعد أمريكية إلى تدريب وتسليح غربي ومعلومات استخباراتية دقيقة وفّرتها واشنطن لحمايتها من التهديدات الإقليمية المصطنعة، وعلى رأسها إيران.

العراق بعد 2003: جرى اختيار شخصيات بعينها لتشكيل النظام الجديد بعد الاحتلال، وفق توافقات مع واشنطن. قليلون من العرب ينسون مشهد إسقاط تمثال صدام حسين في بغداد، باعتباره لحظة نهاية عهد وبداية آخر. لكن ما لم يُقال هو أن الغزو الأمريكي لم يُسقط نظامًا فحسب، بل حلّ الجيش العراقي، وأفرغ البلاد من الكفاءات الأمنية، وأطلق الفوضى، وفرض منظومة حكم جديدة قادمة من الخارج، صُممت بعناية لخدمة مصالح واشنطن وحلفائها، ولو على حساب وحدة العراق واستقراره.

ليبيا بعد القذافي: تكرار للسيناريو العراقي، عبر تدخلات خارجية أعادت تشكيل السلطة من خلال دعم قوى معينة على حساب أخرى.

إفريقيا جنوب الصحراء: تمكين وكلاء الغرب المحليين من السلطة وضمان عروشهم مقابل تسهيلةنهب ثروات بلادهم الوفيرة من ذهب ومعادن ويورانيوم ونفط وغيرها مما يكرس التبعيه الكامله.

أنظمة وظيفية… لا تمثيلية

ويرى المستشار الدكتور طارق منصور أن هذه السياسة، رغم صلابتها، باتت تهتز مع التغيرات العالمية، وبروز قوى إقليمية جديدة تسعى لفك ارتباط العرب والأفارقة بالمركز الغربي التقليدي. فقد خلقت هذه السياسة أنظمة وظيفية، مهمتها ضبط شعوبها لا تمثيلها. نظمًا هشّة، فاقدة للشرعية الشعبية، تعاني من الاستبداد والفساد، وتحرم المجتمعات من فرص التحول الديمقراطي الحقيقي.

كما عززت هذه السياسة من ظاهرة “الحاكم الأبدي” و”الجمهوريات الوراثية”، برعاية غير مباشرة من الغرب. ويبقى العالم العربي في قلب صراع المصالح الدولية، ولا يبدو أن الغرب مستعد لتغيير قواعد اللعبة، طالما أن وكلاءه المحليين ينجزون المهمة.


#العالم الان #المستشار طارق منصور #طارق منصور

اخبار مرتبطة