في العقود الماضية، كانت الشاشة المصرية تُزهر بنجوم مذيعات قدّمن الإعلام بروح مصرية أصيلة ولغة عربية سليمة، منهن: هالة أبو علم، صفاء حجازي، درية شرف الدين، سوزان حسن، ودعاء جاد الحق. كنَّ أيقونات للثقافة والإتزان والرقي. لكن أين الجيل الجديد؟ ولماذا اختفت المذيعة المصرية بهذا الشكل؟ وهل اختفاؤها عارض أم نتيجة لتحول أعمق في المشهد الإعلامي والثقافي؟
أسباب اختفاء المذيعة المصرية التقليدية
1. التغير في الذوق العام والمحتوى الإعلامي
• خلال العقدين الأخيرين، تغيرت طبيعة الإعلام من التثقيف والرسالة إلى الترفيه والإثارة، وهو ما لا يتناسب مع صورة المذيعة الكلاسيكية.
• التركيز أصبح على “الترند” و”اللايف” و”السوشيال ميديا” أكثر من الحوار العميق أو التحليل المتزن.
2. تراجع الاهتمام باللغة العربية الفصحى
• المذيعة المصرية القديمة كانت تتقن العربية الفصحى وتتحدث بها بطلاقة، وهو ما لم يعد مطلبًا في الكثير من البرامج المعاصرة.
• أصبحت اللهجات العامية والمصطلحات الأجنبية جزءًا لا يتجزأ من لغة الإعلام اليوم.
3. غياب مؤسسات التكوين الإعلامي الرصين
• في السابق، كانت هناك مؤسسات مثل ماسبيرو (التليفزيون المصري)، التي كانت تصنع المذيعة المصرية “على عين الدولة”، من حيث الصوت، اللغة، المظهر، والثقافة.
• الآن لم تعد هناك جهة مركزية تقوم بهذا الدور، وأصبح الإعلام مفتوحًا للجميع عبر المنصات الرقمية دون تدريب حقيقي.
4. تغيّر معايير القبول والظهور
• في الماضي، كان “القبول” الإعلامي يُبنى على الثقافة والوقار والكاريزما الهادئة.
• اليوم، أصبح الجمال الصارخ أو الحضور الصادم هو ما يجذب المتابعين، وليس الهدوء والرزانة.
5. خروج جيل الرواد دون توريث حقيقي
• العديد من المذيعات الكبيرات لم يُتح لهن تدريب أو إعداد جيل جديد يحمل الراية.
• التغيرات السياسية والاقتصادية عطلت استمرار هذه السلاسل المهنية.
أين الجيل الجديد؟
يوجد بالفعل عدد من الوجوه الإعلامية الجديدة في مصر، ولكن القليل منهن يحملن صفات “المذيعة المصرية الكلاسيكية”. وحتى من حاولن الظهور بأسلوب راقٍ وثقافي، غالبًا ما طغى عليهن طابع السوق الإعلامي الحالي.
بعض الأسماء تحاول الحفاظ على التوازن، لكن الضغط التجاري، والتنافس على “النسب المشاهدة”، وغياب السياسة الإعلامية الوطنية الواضحة، كلها عوامل تصعّب المهمة.
الخاتمة: هل هناك أمل؟
رغم كل شيء، لا يزال الجمهور يحنّ لصوت المذيعة المصرية التي تحمل اللغة، والثقافة، والوقار. إعادة هذا النموذج تتطلب:
• إعادة إحياء المؤسسات التدريبية الإعلامية الحقيقية.
• دعم الدولة للنماذج الجادة عبر وسائل الإعلام الرسمية والخاصة.
• وجود رؤية ثقافية واضحة تعيد الاعتبار للغة العربية والإعلام الراقي.
حتى ذلك الحين، سيظل اسم “صفاء حجازي” ورفيقاتها رمزًا لعصر ذهبي نفتقده.