تاكسى العاصمة .. “الحمار” وسيلة مواصلات خاصة فى قاهرة القرن الماضى

العالم الآنالعالم الآن 23, مارس 2024 12:03:41

” المكارى” وسيلة التنقل الخاصة .. البغال للأغنياء والحمير للفقراء

60 قرشاً تكلفة رخصة للحمار تجدد سنويا .. ومخالفات المرور تطبق على الجميع

تقرير يكتبه : كريم الخولى 

استخدام الحمير والبغال كانت واحدة من أشهر وسائل الانتقال والسفر قديمًا، ولكن لم يمتلك الجميع لتلك الوسائل، فكان عليه الاتفاق مع “مكاري” لينقله من مكان إلى آخر.

وخلال القرن التاسع عشر انتشرت هذه المهنة وضمت عددًا كبيرًا جدًا من العمال مقارنةً بالمهن الأخرى التى كانت موجودة في ذلك الوقت، وكان «المكاريون» يؤجرون دوابهم للمارة كوسيلة للمواصلات وحتى يجذبون أكبر عدد من الزبائن. كانوا يهتمون اهتمامًا بالغًا بالبغال والحمير من حيث النظافة وكانوا يقومون بتزيين تلك الدواب للفت الأنظار إليها.

 

وكان لـ«المكاريون» مواقف كثيرة عند ميادين المحروسة وأبوابها المختلفة، وعادةً ما كان يمتطي العلماء والأثرياء البغال بينما يمتطي عامة الشعب والنساء الحمير.

كان للأشخاص العاملين في مهنة المكاري لهم نظام يشبه النقابة الآن، فهناك شخص يحكمهم ويتابع شؤونهم ويضبط إيقاعهم، ويسمى “المكاري باشي” أي نقيب الكار.

وكانت نشاطتهم متعددة فمنهم من يتعامل مع التجار لنقل البضائع من بلد إلى آخر، ومنهم من يتعامل بالأجرة في الشوارع، ومنهم من يتنظر المقاولات الكبيرة مثل سفر عائلة من مكان إلى آخر بمبلغ مناسب، وهكذا.

 

ومع ظهور الترام عام 1896، بدأت مهنة “المكاري” في الاختفاء رويدًا رويدًا، ورغم محاولات “المكارية” للتصدي له وإطلاق العديد من الشائعات حوله، حتي أنهم أطلقوا علي الترام اسم “العفريت”، وروجوا لفكرة أنه يُصيب النساء بالعقم، في محاولة يائسه منهم للحفاظ علي زبائنهم واستمرار مهنتهم التي حافظوا عليها قرون طويلة، فقد كان للحمارين يومًا شأنًا عظيمًا، وأهمية كبري، فقد كانوا الوسيلة الرئيسية للتنقل داخل شوارع وحواري وأزقة القاهرة الضيقة، وسعر خدمتهم دائمًا في متناول يد جموع المصريين أغنياء وفقراء، وكان من السهل استئجار حمارًا من “المكاريين” المنتشرين في ربوع المحروسة، فقد كان لهم ميادين ومراكز تجمع عند أبواب القاهرة ومداخل أسواقها.

 

وفقًا للمؤرخ المصري علي باشا مبارك في موسوعته الخطط التوفيقية، بلغ عدد “الحمارة” أو “المكاريين” في نهاية القرن العشرين بمدينة القاهرة فقط حوالي 1739، وهو عدد كبير جدا بالنسبة لأعداد باقي الحرفيين،ما يعني أن مهنة “الحمارة” كانت أكبر الطوائف الحرفية تعدادًا، ما مكن سكان القاهرة والقري المجاورة لها من التنقل بسهولة بالرغم من اتساع المدينة،  بسبب كثرة أعداد الحمير والبغال التي لم يخلو منها شارع من شوارع القاهرة.

وكان لثورة القاهرة الثانية في عام 1800 ضد الإحتلال الفرنسي، دورًا مهما في نمو مهنة الكاريين في القاهرة، فقد أدت الضغوط الإقتصادية نتيجة فرض “كليبر” للعديد من الضرائيب الاستثنائية الباهظة، فساءت الأحوال، وأغلقت الحوانيت، والمخابز، وكل المهن والحرف الأخري، ما اضطر أغلب الحرفيين للجوء إلي العمل حمارًا “مكاريًا”، حتى صارت الازقة خصوصا جهات العسكر مزدحمة بالحمير.

في نفس الوقت الحكومة المصرية وضعت العديد من الشروط والضوابط لمن يرغب في العمل “حمارًا”، فعلية أولًا أن يقوم بتسجيل اسمه ولقبه وجنسيته بالمحافظة، وأن يكون سليم البنية خاليًا من العاهات والامراض، وبعد أن يتم قبوله كان يتسلم صحيفة منمرة “رخصه”، ليضعها علي رأس حماره، وقد كانت المحافظة تقوم بتعيين شيخ لـ”المكاريين” لتنظيم شئونهم الداخلية،   كان الركاب ينقسمون إلى فئتين: الأغنياء الذين طلبوا توصيلات على البغال من أمام منزلهم، والفقراء الذين يدفعوا أجرة بسيطة لمكاري الحمير مقابل نقلهم من المحطة الموجودين فيها إلى مكان آخر.

وكان نهيق الحمير هو الأبرز للملوك والبسطاء وكان الحمار هو وسيلة التنقل الرئيسية والأكثر شهرة.. وكان للحمار رخصة كالسيارات ولها قصة طريفة قد يجهلها الكثيرون برغم كون الحمار حي يرزق بيننا..   كان ذلك في الوقت الذي شهدت فيه مصر مجاعة في عهد الخديوي إسماعيل الذي أقر جمع ضرائب من المواطنين بأي شكل حتى على ركوب الحمير بهدف سداد فوائد القروض التي إقترضها الخديوي من الأجانب وبلغت 91 مليون جنيه وأدت لعزله عام 1879 ووقوع مصر في براثن الإحتلال الإنجليزى عام 1882 لذا يشهد التاريخ أنه كان للحمار دورا ًولو بسيط في تسديد ديون مصر.   كان النظام في الماضي نمط حياة يحترمه الكبير والصغير فنصت الدساتير عام 1871 على وجوب إصدار رخص لأصحاب الدواب فكانت هناك رخص تُمنح لأصحاب الحمير ليسيروا بها في شوارع مصر بدون مخالفات كما كانت الحمير تسير بشكل منظم ولها طرق محددة. وعليه، إكتسب الحمار موقعاً مميزاً كوسيلة نقل نظامية وإعتبره المصريين حيواناً شديد الذكاء كما إستغله الملوك وكبار رجال الدولة فى التنقل وعندما بحثنا فى قصص الملوك وجدنا صورة للملك فؤاد يتفقد محافظة أسوان راكباً حمار وحوله كبار رجال الدولة.

انتشار المكارية وأصحاب الحمير، أصدرت الدولة المصرية رخص تسيير حمار بشوارع مصر المحروسة “رخصة من ديوان الدائرة البلدية بمصر سنة 1873 عن حمار ركوب ملك حضرة محمد بك سرور ليمر دون موانع على مراكز الدخولية وشوارع المحروسة” نظير مبلغ 60 قرشًا ويوضح في الرخصة مواصفات الحمار “بني فاتح”

ورخصة تسيير الحمار يحدد فيها المناطق الدخولية “داخليًا” وشوارع المحروسة، بينما رخصة تسيير الجمال يضاف إليها المناطق الحجازية وهي “رخصة من ديوان الدائرة البلدية بمصر عن سنة 1874 عن جمل ملك الشيخ حسن وهبة ليمر دون موانع على مراكز الدخولية وشوارع المحروسة والسفر للأقطار الحجازية” وارد العوايد 90 قرشًا

ويختم التصريح بختم خاص بصورة جمل وهو المسموح به فقط بالدخول إلى المناطق الحجازية وقد يمنع الجمال التي لا تحمل رخصًا.

ورخصة الحمار الوحيدة متواجدة الآن بمتحف السكة الحديد وهي ملك الخواجة نخلة بدير الذي أهداها أحفاده للمتحف لإثراء التراث المصري العتيق ليظل هذا التذكار شاهداً على تاريخ العمل الشاق لتلك الدابة التي طالما حملت أسفار المصريين ومشاق رحلاتهم على مر التاريخ.

وعلى الرغم من انتهاء هذه المهنة تماما، ولكن التاريخ المصرى سيظل محتفظا بها لأسباب منها القصة التى تقول أن الحرب على مصر واحتلالها كان بسبب “مكارى”.

هناك قصة شهيرة معروفة  باسم واقعة “المكارى والمالطى”، وقعت أحداث هذه القصة 10 من شهر يونيو من عام 1882 عندما استأجر مواطن مالطى مكاريًا “سائق حمار” مصرى يدعى السيد العجان، وطلب منه أن يطوف به العديد من الشوارع، المالطى فوق الحمار والمواطن يمسك بالحمار ويسير بجواره فى لهيب الشمس.

وعندما انتهى المالطى من رحلته طلب منه السيد العجان أجرته، فأعطاه المالطى قرشا واحدا، لكن صاحب الحمار رأى أن هذا القرش قليل لا يفى ولا يتناسب مع أجرته وحق حماره، وحدث جدل بينهما فأخرج الرجل المالطى سكينا من ثيابه وأخذ يطعن به المواطن المصرى حتى قتله.

 

تجمع الأهالى، فجرى المالطى ودخل أحد البيوت التى يسكنها المالطيون واليونانيون خلف قهوة القزاز، وأخذ السكان الأجانب يطلقون الرصاص على الأهالى، وثارت نفوس المصريين، وانطلقوا يهجمون على أى أجنبى فى الشوارع والدكاكين.

 

ووصل عدد القتلى إلى 238، منهم 75 من الأوربيين و163 من الأهالى، فيما قال البعض: “إن عددهم كان يتراوح بين 45 و50 قتيلا”، إلا أن تلك الحادثة تسببت فى اتخاذ بريطانيا ذريعة لاحتلال مصر، بحجة حماية رعاياها والأجانب


#العالم الآن #المكارى #تاكسى العاصمة #رخصة للحمار #ركوب الحمير #مصر.الجديدة

اخبار مرتبطة