سعيد حنفي 
عندما نتحدث عن “الإمبراطورية الفارسية”، فإننا نشير عادةً إلى سلسلة من الإمبراطوريات التي قامت في منطقة بلاد فارس التاريخية (إيران حاليًا) على مدى قرون طويلة، والتي كانت لها تأثير كبير على التاريخ العالمي. كانت هذه الإمبراطوريات من أقوى القوى في عصرها، وأثرت على الثقافة، والفن، والعمارة، والإدارة، والدين في الشرق والغرب.
أبرز الإمبراطوريات الفارسية
تاريخ الإمبراطوريات الفارسية معقد ويمتد لآلاف السنين، ولكن هناك عدة فترات حكم رئيسية تبرز بشكل خاص:
1. الإمبراطورية الأخمينية (حوالي 550 – 330 قبل الميلاد) 👑
تُعرف هذه الإمبراطورية بأنها أول إمبراطورية فارسية حقيقية، وأكبر إمبراطورية عرفها العالم القديم حتى ذلك الحين.
- المؤسس: قورش الكبير (Cyrus the Great)، الذي وحد القبائل الفارسية وقام بتوسيع نفوذه ليشمل ممالك كبرى مثل ميديا، ليديا، والإمبراطورية البابلية الحديثة.
- التوسع: وصلت الإمبراطورية إلى أوجها تحت حكم داريوس الأول (Darius the Great) وخشتيارشا الأول (Xerxes I). امتدت من البلقان في الغرب، إلى مصر في الجنوب الغربي، وحتى وادي السند في الشرق، لتشمل ما يقرب من 44% من سكان العالم في ذروتها.
- الإدارة: تميزت بنظام إداري متطور، حيث قُسمت الإمبراطورية إلى “ساترابيات” (مقاطعات) يحكمها ساتراب (حاكم) فارسي، مع شبكة طرق ممتازة (مثل الطريق الملكي) لتسهيل الاتصالات والتجارة.
- التسامح: عُرفت الإمبراطورية الأخمينية بالتسامح النسبي تجاه الثقافات والأديان المختلفة في أراضيها الشاسعة، وأشهر مثال على ذلك هو سماح قورش لليهود بالعودة إلى أورشليم وإعادة بناء هيكلهم.
- السقوط: سقطت على يد الإسكندر الأكبر المقدوني عام 330 قبل الميلاد.
أقرأ ايضًا
- مصر الفارسية
- مصر اليونانية
- مصر الرومانية
2. الإمبراطورية الفرثية (البارثية) (حوالي 247 قبل الميلاد – 224 ميلادي) 🐎
بعد سقوط الإمبراطورية الأخمينية وحكم السلوقيين (الورثة اليونانيين للإسكندر الأكبر)، برزت الإمبراطورية الفرثية كقوة فارسية جديدة.
- المؤسس: أرساس الأول (Arsaces I)، الذي قاد قبيلة بارني البدوية للاستيلاء على إقليم بارثيا.
- المنافسة مع روما: كانت الإمبراطورية الفرثية منافسًا قويًا وخصمًا لدودًا للإمبراطورية الرومانية لقرون، وخاضت معها العديد من الحروب الكبرى.
- الثقافة: حافظت على الكثير من التقاليد الإيرانية، على الرغم من تأثرها بالثقافة الهلنستية.
- السقوط: ضعفت بسبب الصراعات الداخلية وتحديات خارجية، وسقطت على يد الإمبراطورية الساسانية.
3. الإمبراطورية الساسانية (224 – 651 ميلادي) 🦁
تعتبر الإمبراطورية الساسانية واحدة من أقوى الإمبراطوريات الفارسية وأكثرها تأثيرًا. يُنظر إليها غالبًا على أنها إحياء للمجد الفارسي القديم.
- المؤسس: أردشير الأول (Ardashir I)، الذي أطاح بالفرثيين.
- العدو اللدود لروما/بيزنطة: استمرت الساسانية في الصراع المرير مع الإمبراطورية الرومانية ثم البيزنطية، وخاضت حروبًا استنزافية ضخمة معها على مدى قرون.
- الدين الرسمي: أصبحت الزرادشتية هي الديانة الرسمية للدولة، وشهدت هذه الفترة تطويرًا كبيرًا للفن والعمارة والعلوم الفارسية.
- الإرث: تُعتبر جسرًا بين العالم القديم والعصور الوسطى، وكان لها تأثير عميق على الثقافة الإسلامية اللاحقة.
- السقوط: انهارت الإمبراطورية الساسانية على يد الفتوحات الإسلامية في منتصف القرن السابع الميلادي، مما أدى إلى دخول الإسلام إلى بلاد فارس.
بالإضافة إلى هذه الإمبراطوريات الكبرى، مرت المنطقة لاحقًا بحكم سلالات إيرانية أخرى، مثل السامانيين، والغزنويين، والسلجوقيين (الأتراك الذين تبنوا الثقافة الفارسية)، والصفويين (الذين جعلوا التشيع دين الدولة)، والأفشاريين، والزنديين، والقاجاريين، وصولًا إلى الأسرة البهلوية في القرن العشرين، قبل قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
تُظهر هذه السلسلة من الإمبراطوريات الغنى والتنوع في تاريخ وحضارة بلاد فارس على مدى آلاف السنين.