العالم الآن 
المتابع لأولي خطوات تشكيل نظام عالمي جديد لابد وأن يتوقع في يوم ما ،تأسيس حلف عسكري جديد يحمي فكرة تعدد الأقطاب المسيطرة علي العالم ،لضرب القطبية الأمريكية في مقتل حتي لو ظلت لسنوات أخري هي الأقوي عسكريا وافتصاديا مقارنة بالدول الأخري المناوئة لها.
ومن حيث المبدأ يستحيل أن يسيطر الإقتصاد وحده علي موازين القوي ،لأنه في كل الأحوال يحتاج قوة لتحميه..أي أن علاقة الاقتصاد بالقدرة والقوة الخشنة متداخلة وكل منها يؤدي ألي الآخر..لكن بحكم التجارب والتاريخ يمكن للقدرة أن تعيش بدون اقتصاد كما في حالة روسيا الآن في مواجهة الغرب عبر أوكرانيا..بينما لايستطيع الإقتصاد أن يعيش بدون قدرة ،وأمثلة السطو علي اقتصاديات الأغنياء بالتهديد العسكري موجودة وحاضرة ورأي العين ولاداعي لذكر أسماء دول بسبب الحساسية الشديدة.
هذه الفكرة المسيطرة علي القوي المناوئة لأمريكا قديمة لكنها كانت خجولة ومترددة وربما خائفة من التعجيل بها والاعلان عنها حيث لاتتوفر الظروف والعوامل المواتية لنجاحها.
ألا أن حرب غزة فتحت آفاقا كبيرة وواسعة وشجعت علي بلورة الفكرة لاستعادة عصر التوازن الذي كان بين حلف الناتو وحلف وارسو، والذي انهار عقب انهيار الاتحاد السوفيتي ..وكانت حرب غزة النموذج الثاني لتباشير القدرة علي الوقوف أمام الهيمنة الأمريكية بعد نموذج حرب روسيا وأوكرانيا التي أسقطت فكرة أن روسيا لن تتحمل هذا الحصار ..وأيضا وسعت حرب غزة المواجهة جغرافيا لتصل إلي كل الأماكن الساخنة في الشرق الأوسط واوكرانيا والكوريتين وتايوان وإيران ..ولم يعد أمام رأسي حربة فكرة استعادة توازن النظام العالمي وهما الصين وروسيا إلا الارتفاع بدرجات التأسيس إلي مستوي تشكيل حلف عسكري مناوئ للناتو ويملك ماهو أقوي من حلف الناتو الذي لم تعد فيه أوروبا كما كانت.
الحلف العسكري الجديد المزمع الإعلان عنه سيضم بصفة أساسية الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران وفنزويلا ومايستجد من قوي أخري متوسطة أو صغيرة ..وهذا الحلف يملك كل المقومات المطلوبة من اقتصاد وتكنولوجيا وآلة عسكرية وحضارة وعمق ثقافي وتجارب قتالية..
هذا الحلف المرتقب سيكون اول معول لهدم الامبراطورية الأمريكية عمليا علي الأرض بعيدا عن خيال الخبراء والسياسيين والأمنيين..
وإذا تحقق ماأقوله فإن دول العالم الثالث ومادونها من عوالم أقل سيتعيدون مساحة الحرية القديمة والواسعة التي تمتعوا بها وقت أن كانت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي يتصارعان معا لاستقطاب هؤلاء في معسكريهما ،وما أفرزته هذه الحرب الباردة وقتها من مكاسب للضعفاء والقوي الإقليمية التي ظلمتها القطبية الأمريكية المنفردة.
وهنا يأتي السؤال التلقائي ..إلي أي من الحلفين سيميل العرب ؟..هو سؤال صعب لكنه يحتاج لشرح وتفصيل.