فجأة قرر الرئيس الأمريكي بايدن مكاشفة اليهود والإسرائيليين بصفة خاصة ليدشن حالة دولية جديدة تجاه الحملة الصهيونية المدمرة علي قطاع غزة..وتخلي عن الرسائل غير المباشرة أو المناشدات الناعمة لقادة إسرائيل وعلي رأسهم نتنياهو رئيس الوزراء ،التي لم تضع حدا لسياسة الأرض المحروقة في غزة ،وأيضا اراد زغزغة المشاعر العربية و محاولة ابعاد المسئولية كاملة عن الولايات المتحدة.
اعترض بايدن في خطاب مباشر خلال احتفال ديني لليهود علي سياسات نتنياهو وأطلق تحذيرات من خطر حقيقي يحيط بالشعب اليهودي ،مع اعتراض مباشر علي حزمة ”اللاءات” التي يطلقها نتنياهو حول مستقبل إدارة قطاع غزة، ولم يخل الأمر من إشارات لرغبته في عزل نتنياهو وتفكيك مجلس وزرائه المتطرف حتي يكون هناك أمل في حل للقضية الفلسطينية ودعم حل الدولتين.
احتار الناس من المفاجأة ثم ازدادوا حيرة من رد نتنياهو الذي لايريد للحرب نهاية إلا بإنجاز عسكري يضمن استمراره وافلاته من قضايا فساد..وجدوا أن الشريكين يقفان علي التقيض من بعضهما البعض ،وبالتالي تتعمق الحيرة تلقائيا عند طرح الأسئلة حول من منهما سوف يفرض رأيه..خاصة أن أن الحملة علي غزة منذ ٧٠ يوما ،شتت المحللين وخبراء السياسة والأمن ..فترة يزعمون أن أمريكا هي من تقود برنامج التدمير وتغيير الخرائط وصناعة واقع جديد في المنطقة..وتارة أخري يزعمون أن إسرائيل هي التي تفكر وتنفذ وأن أمريكا موجودة للدعم والتغطية علي التجاوزات الاسرائيلية ..ويظن هؤلاء الآن أن العلاقة باتت أكثر وضوحا وأن ماكانت تقوله أمريكا للإسرائيليين في السر وفي الغرف المغلقة قررت أن تقوله في العلن لتكون أكثر حسما في إنهاء هذه المجزرة التي وضعت الدولتين في قائمة دولية سوداء تؤثر عليهما استراتيجيا، وخصوصا أمريكا التي امتد تأثرها السلبي إلي خدمة الحرب لأهداف الصين وروسيا مع مزيد من الشكوك العربية تجاه العلاقة الخاسرة مع الولايات المتحدة..علاوة علي امتعاض حلفائها الأوروبين وغيرهم من دعمها لجرائم انسانية غير مسبوقة في العصر الحديث..
هذا صحيح مبدئيا إلا أنه في إطار تحقيق الأهداف الاستراتيجية من الأحداث الكبري ،لامانع أن يتفتق الذهن عن وسائل أشد خبثا وتعقيدا لتمرير المؤامرات بمكاسبها كلها وبالقليل المحتمل من الخسائر، مادامت الظروف تغيرت علي الأرض ولم تعد الأحداث تسير في المجري الطبيعي المخطط لها ، وهو ماحدث بالفعل علي الأرض في غزة بما ألح علي أمريكا وإسرائيل البحث عن أجندة جديدة للخروج بدون مذبحة معنوية وأدبية لإسرائيل التي هي أصلا تعيش وتستقوي وتطيح بالمنطقة علي قاعدة الترهيب بأنها هي القادرة علي أن تفعل كل شئ لأي شئ وفي أي وقت وأي مكان في المنطقة المحيطة بها ..فكيف ستبدو والحرب تنتهي باحتفالات في إيران وفلسطين والعراق واليمن وسوريا والجزائر ومصر وكل من قد فاجأهم هذه المعجزة الفلسطينية في الصمود والتصدي..
ربما بايدن يريد من نتنياهو أن يصمت لكي يساعد إسرائيل لكي تفلت من هذه الهزيمة المدمرة لقوانين سيادتها ،وهو يعرف أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يخاف علي نفسه أكثر من خوفه علي اسرائيل،ومستحيل أن تتعرض المنطقة لكل هذه الحرائق وتتعرض أمريكا لكل هذا الحرج من أجل شخص واحد يلعب بالنار ..ثم علينا أيضا ألا نستبعد أية نوايا أخري..فربما اتفق بايدن ونتنياهو علي توزيع الأدوار ،وكسب الوقت ألي حين أن تأتي إسرائيل بكل ماعندها من محاولات لكي تحقق ولو هدف واحد من الأهداف التي أعلنتها ،وفي نفس الوقت يحمي بايدن موقفه الانتخابي من الانهيار ..فلو بقي هكذا سيخسر الكتلة الاسلامية في امريكا والمتوحدة حاليا..وإذا تغير تغييرا حادا سبخسر اللوبي الأسرائيلي ..وبالتالي عليه أن يجد مايساعده علي ان يمسك العصا من الوسط .. فلن تتحمل أمريكا هذا التصعيد في العزلة الدولية التي تشعر بها والعار الذي يلاحقها من الداخل والخارج ،ولابد أن تظهر نفسها جادة وعنيفة أحيانا مع اسرائيل وقادتها وفي نفس الوقت تواصل بل تزيد من دعمها وتشارك أكثر في وضع تكتيكات جديدة للجيش الإسرائيلي لكي ينجح في اخضاع المقاومة..أي أنها تغير الوسائل وتبقي علي نفس الأهداف..ولعل إغراق الانفاق بالمياه واحدة من المحاولات الجديدة التي قد يأتي منها أي إنجاز عسكري تستطيع أن تبني عليه رواية خروج غير محرج من غزة..
وفي النهاية التاريخ علمنا أن مع الصهيونية ومع الغرب كل شئ محتمل وكل شئ وارد..والمهم هو اليقظة والرهان فقط علي المقاومة لأنها هي الآن التي تصنع الحدث والتغيير.