أكتوبر المجيدة بين عقيدة ناصر واستراتيجية السادات

admin2023admin2023 6, أكتوبر 2025 10:10:03

الدكتور حسين المقداد

أستاذ ورئيس قسم القانون الدستوري بجامعة حلوان

 

..

في تقديري- كأكاديمي ودستوري، لا أرى أن أكتوبر 1973م مجرد حرب تقليدية، انتصر فيها شرُف الجندية المصرية على خسة المغتصب للأرض وغدره- فحسب، بل أعدها حدثًا تاريخيًا مُلهمًا ما ما بقينا، وما بقيت مصر أبيةً عصيةً على النيل منها، هذا الحدث التاريخي الذي ولد فيه النصر المجيد – بإذن الله، ثم بدماء وأرواح الخالدين أبدًا – من رحم المعاناة. تلك المعاناة التي بدأت باعتداء غادر في السابع من يونيو 1967م من عدو خسيس مدفوع بتدليل الغرب ومدعوم بأحدث معدات التسليح، واستمرت طيلة ست سنوات لم يُغمض فيها للمصريين جفن، ولم يهدأ لهم بال، ولم يعرفوا للراحة معنى، وظلوا يكبدوا العدو خسائر فادحة في محاولة جادة لاستنزافه، حتى أيقن أن غطرسة القوة لا تضمن له أمنًا ولا بقاءً.

وفي طليعة يوم السادس من أكتوبر لعام 1973م- اليوم الخالد في ذاكرة المصريين والعرب الشرفاء جميعًا، يتأكد امتزاج استراتيجية السادات المبنية على العلم والتخطيط وكذا الإيمان بالله أولاً، ثم بشرف الدفاع عن الأرض والعرض، في عقيدة عبد الناصر التي طالما قامت على الأصالة والاعتزاز بالنفس.

حقًا، لم تكن حرب أكتوبر 1973م، مجرد مواجهة عسكرية بين مصر وإسرائيل، بل كانت انعكاسًا لتفاعلٍ استراتيجي بين مرحلتي عبد الناصر والسادات- مرحلة العقيدة الناصرية التي تشكلت بعد هزيمة يونيو 1967م، ومرحلة الدهاء الاستراتيجي للسادات الذي حوّل تلك العقيدة إلى فعل ميداني وقرار تاريخي بالعبور، ليتسنى القول بأن يوم العبور الخالد هو تتويج لعقيدة ناصر وتجسيد لاستراتيجية السادات.

فقد أعاد الرئيس عبد الناصر- رحمه الله، صياغة العقيدة القتالية للجيش على أسس جديدة، تقوم على الإيمان الكامل بقدرة المصريين على تجاوز شبح الهزيمة، والتحرر من روح اليأس والاستسلام لفكرة التفوق العددي أو التكنولوجي، لصالح الإرادة القتالية والتنظيم، فضلاً عن تأكيد مبدأ الدفاع عن السيادة الوطنية والكرامة قبل الأرض؛ أي أن معركتنا مع إسرائيل لم تكن مجرد صراع على حدود، بل معركة وجود.

 

 

ثم يشأ القدر للرئيس السادات- رحمه الله، أن يكمل ما بدأه الرئيس عبد الناصر- رحمه الله، ويترجم عقيدته إلى استراتيجية مدروسة؛ فيقوم بإعادة بناء الجيش على أسس علمية، ويتلافى الأسباب التي كانت من وراء الانكسار في 67، فعمد إلى تأسيس قوات الدفاع الجوي لحماية العمق المصري، واستنزاف قدرات العدو في الفترة من 1968–1970م، في رسالة واضحة للعدو مفادها تبني عقيدة قتالية جديدة، واختبار تكتيكات عسكرية جديدة ترهق العدو من ناحية، وتعيد الثقة إلى الجنود والضباط مرة أخري.

 

وإذا كان الرئيس جمال عبد الناصر، قد واجه صورًا متعددة من الغدر والخذلان من قِبَل قوى داخلية وخارجية، فإن الرئيس أنور السادات وجد نفسه إزاء واقع سياسي وعسكري بالغ التعقيد؛ واقعٍ تمثّل في تصاعد الضغط الشعبي المطالب بالرد على قوى الاحتلال، في وقت شهد فيه تراجعًا واضحًا وملحوظًا في مستوى الدعم السوفييتي، مقابل دعمٍ أمريكيٍ لا محدود لدولة الاحتلال.

 

بيد أن هذا كله لم يعيه عن تبني استراتيجية واقعية، تقوم على أهداف واضحة ومحدودة الأهداف، قوامها: تحقيق نصر عسكري جزئي، بغرض إحداث تغيير استراتيجي في الموقف السياسي، وفتح الطريق لحل دبلوماسي شامل.

 

وتمثلت الملامح الرئيسة لاستراتيجية السادات في الاعتماد على المباغتة في توجيه الضربة الجوية المفاجئة في 6 أكتوبر، وعبور قناة السويس لمسافة محددة لتفادي العمق الجوي والبري الإسرائيلي، وتحقيق المعادلة الصعبة في عقد تحالف مزدوج يقوم على استغلال التفوق العسكري السوفييتي، مع فتح قنوات اتصال سياسي مع الولايات المتحدة، ومن ثم الدمج بين العسكرية والسياسة؛ فالحرب في عقيدة الرئيس السادات، ليست غاية في ذاتها، بل وسيلة لحراك سياسي يقوم على خلق واقع جديد.

 

وختامًا، يمكن القول بأن عبد الناصر، قد وضع الأساس العقائدي والعسكري لنصر أكتوبر 1973م، ثم جاء الرئيس السادات للبناء على هذا الأساس العقائدي باستراتيجية تجمع بين المرونة والواقعية. ليحق القول بأن العبور – الخالد أبدًا – لم يكن وليد لحظة مفاجئة، بل ثمرة ست سنوات من الإعداد العقائدي، والنفسي، والتكتيكي في عهد ناصر، تحوّل إلى إنجاز قومي تاريخي على يد أنور السادات.

 

واليوم، تتجدد روح أكتوبر المجيدة في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي- حفظه الله، إذ يواصل الجيش المصري – بذات العقيدة الوطنية الخالصة – مسيرة البناء والتنمية، لا في ميادين الحرب فحسب، بل أيضًا في ميادين التنمية وصون الأمن القومي. فكما واجه جيل أكتوبر تحدي الماضي بالإرادة والسلاح، يواجه أبطالنا البواسل في القوات المسلحة المصرية والشرطة المدنية، تحديات الحاضر بعزيمة لا تلين وإيمانٍ راسخ بأن حماية الوطن رسالة أبدية سرمدية لا تنتهي، في ظل قيادة واعية تؤمن بأن التنمية هي وجه العملة الثاني للأمن القومي، في ملحمة للبناء والتنمية لا تقل بطولةً عن ملحمة العبور الخالد.

ودمتم ببلدكم أبرارًا ولوطنكم أخيارًا.

 

 

 

 

 


#الدكتور حسين المقداد #جامعة حلوان

اخبار مرتبطة