شرم الشيخ تستعد هذا المساء لحدث تاريخي غير مسبوق في تاريخ الشرق الأوسط: قمة شرم الشيخ للسلام في الشرق الأوسط 2025، التي تُعد الأكبر من نوعها منذ عقود.
أكثر من 30 رئيس وملك وزعيم عالمي في طريقهم إلى مصر الآن، للمشاركة في قمة وُصفت بأنها “إعلان ميلاد مرحلة جديدة من السلام وتوازن القوى في المنطقة”.
اتفاق وقف النار.. تتويج لجهود مصرية
القمة تأتي بعد أيام من توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين الكيان الصهيوني وفلسطين بوساطة مصرية خالصة، أنهت حربًا دامية استمرت لأشهر في غزة.
ورغم أن الاتفاق وُقّع رسميًا الأسبوع الماضي، فإن قمة اليوم ليست للتفاوض، بل للاحتفال الدبلوماسي وإظهار التزام جميع الأطراف أمام العالم، بحيث لا يكون لأي طرف مساحة للتراجع أو المناورة بعد الآن.
ترامب في الواجهة من جديد
منذ الصباح، كانت الأضواء كلها متجهة نحو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي زار تل أبيب صباح اليوم وألقى كلمة في الكنيست، قبل أن يتوجه إلى القاهرة للمشاركة في القمة.
وفي لفتة رمزية سبقت القمة، قرر الرئيس عبد الفتاح السيسي منح ترامب قلادة النيل — أرفع وسام مصري على الإطلاق — تقديرًا لمساهمته في جهود وقف الحرب ودعم مسار السلام في المنطقة.
أما في تل أبيب، فقد ردّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على الخطوة المصرية بتقليد ترامب “حمامة السلام الذهبية”، في مشهد وصفه محللون بأنه “سباق رمزي على شرعية السلام”.
رمزية قلادة النيل
قلادة النيل ليست مجرد وسام شرفي؛ إنها رمز السيادة المصرية وتاريخها الممتد منذ عام 1915 حين أُنشئت في عهد السلطان حسين كامل.
وقد حصل عليها عبر التاريخ رموز بارزة مثل الملك سلمان بن عبد العزيز، نيلسون مانديلا، أحمد زويل، مجدي يعقوب، ونجيب محفوظ.
واختيار منحها لترامب في هذا التوقيت تحديدًا يحمل أكثر من رسالة:
رسالة شكر دبلوماسية، ورسالة سياسية تؤكد على أن النيل هو هوية مصر ومصدر سيادتها، وربما أيضًا رسالة غير مباشرة إلى إثيوبيا في ظل توتر ملف سد النهضة.
الغياب المثير لأبو مازن
في المقابل، كان غياب الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) عن مراسم الإعلان عن الهدنة محطّ تساؤلات كبيرة.
مصادر أكدت أن غيابه جاء احتجاجًا على استبعاده من المفاوضات النهائية، فيما ترى تحليلات أخرى أن دوره السياسي بدأ يتراجع لصالح المقاومة التي فرضت شروطها على الأرض.
المشهد في غزة
في الوقت الذي كان فيه ترامب يلقي كلمته في الكنيست، كانت المقاومة الفلسطينية تُسلّم الأسرى الإسرائيليين عبر فرق الهلال الأحمر في خان يونس، وهي المنطقة التي أعلن الاحتلال مرارًا سيطرته عليها.
ظهور المقاومة من قلب تلك المنطقة كان مشهدًا صادمًا للإعلام الإسرائيلي، ورسالة قوية بأن غزة لم تُهزم، وأنها لا تزال تملك أوراق القوة على الأرض.
نتنياهو خارج المشهد
ورغم الوساطة الأمريكية التي سعت لإقناعه بالحضور، أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي في اللحظات الأخيرة أن نتنياهو لن يشارك في قمة شرم الشيخ، بحجة “الاحتفال بعيد سوكوت”.
لكن تقارير سياسية أكدت أن السبب الحقيقي هو الانقسام داخل حكومته، ورفض وزراء متشددين مشاركته في حدث “يظهر إسرائيل كطرف مهزوم”.
مصر… عاصمة القرار
اليوم، الكاميرات العالمية تتجه نحو مصر — الدولة التي أعادت للعالم معنى الوساطة والقيادة السياسية الهادئة.
قمة شرم الشيخ ليست فقط احتفالًا بوقف النار، بل إعلانًا بأن الشرق الأوسط يدخل عصرًا جديدًا من التوازنات، وأن القاهرة عادت لتكون نقطة الارتكاز التي لا تدور المنطقة بدونها.
ويبقى السؤال الذي يردده الجميع:
هل ستصمد هذه الهدنة التاريخية، أم تنتهي كما انتهت عشرات الاتفاقات السابقة، بطلقة واحدة تُعيد كل شيء إلى الصفر؟
